العدد 1517 /22-6-2022

يتوزع المشهد السياسي اللبناني على عدة اهتمامات، حيث يغلب استحقاق التكليف الحكومي لدى الطبقة السياسية على ماعداه من الاهتمامات الأخرى التي تشغل بال اللبنانيين في هذه الايام ولاسيما مع دخول فصل الصيف والانقطاع المتواصل للكهرباء والمياه عن كافة المناطق اللبنانية ، وعجز اكثرية اللبنانيين عن تأمين حاجاتهم الاساسية فضلا عن فقدان الدواء وارتفاع فاتورة مولدات الكهرباء ...الخ ، حتى اصبح الشعار الذي اطلقته وزارة السياحة " اهلا بهطلة " ، عند الخروج من مطار بيروت محل تندر كثير من اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يسألون عن اي طلة تنتظر القادمين الى لبنان في هذه الايام العجاف .

ويبدو ان الاستحقاق الحكومي سيكون محور الاهتمام السياسي خلال الفترة القادمة بعيدا عن حاجات اللبنانيين الذين يعانون بشدة من حدة الازمات المختلفة ، فالتكليف الحكومي ومن ثم بدء المشاورات لتشكيل حكومة جديدة المطلب الاساس من اجل حماية المكاسب السياسية لدى البعض ، ولتأمين الحضور السياسي في السلطة التنفيذية عشية الاستحقاق الرئاسي لدى البعض الآخر ، ومن اجل التمهيد لمرحلة اعادة تشكيل البلد، والذي سينطلق مساره فعلياً مع الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي وصولاً الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لدى من يسمون انفسهم بقوى المعارضة والتغيير في المجلس النيابي ، وهذا الاختلاف في المواقف بين الكتل النيابية والاحزاب السياسية حول رئاسة الحكومة وشكل الحكومة ، سوف يترك اثره على الواقع اللبناني اقتصاديا واجتماعيا لأن اللبنانيين لايملكون ترف الوقت لمثل تلك المماحكات السياسية التي لن تقدم او تؤخر في معالجة ازماتهم المختلفة وخصوصا الازمة الاقتصادية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل حالة التجاذب السياسي القائمة بين مختلف القوى السياسية حول الحكومة ورئيسها ودورها هو: ما هو المطلوب من الحكومة الجديدة ورئيسها في فترة الاربعة اشهر القادمة؟

هناك بدعة سياسية جديدة في لبنان هي "التأليف قبل التكليف" بدأت مع عهد الرئيس ميشال عون وهي الاتفاق مع القوى السياسية الكبرى على المرشح لرئاسة الحكومة وتركيبة الحكومة قبل البدء بالاستشارات النيابية الملزمة لاخيتار رئيس جديد للحكومة ، حيث تحولت الاستشارات النيابية بفعل هذه البدعة السياسية المخالفة للدستور الى مجرد اجراء فولكلوري لااكثر ولااقل وهو ما كان سببا في تعطيل الاستشارات النيابية ، وفي جعل منصب رئاسة الحكومة مرتهنا للحسابات السياسية للقوى الممسكة بالسلطة ، والتي اوصلت الامور في لبنان الى " جهنم" على كل الصعد وخصوصا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

لذا المطلوب اولا ان تتم عملية الاستشارات النيابية لاختيار رئيس للحكومة بعيدا عن كل البدع الغير دستورية السابقة التي درج عليها في عهد الرئيس عون ، وفي هذا السياق تبدو المشاورات التي تجريها بعض القوى في المجلس النيابي سواء من الاحزاب المعارضة للسلطة او من بعض الشخصيات التي تسمي نفسها بالقوى التغييرية لاختيار مرشح لرئاسة الحكومة بعيدا عن قوى السلطة وحساباتها مؤشرا ايجابيا من اجل الوصول الى مرشح لرئاسة الحكومة لا يكون مرتهنا سلفا لفريق سياسي او خاضع لاملاءات لهذا الفريق اوذاك.

ثانيا بما ان المطلوب من الحكومة ورئيسها اجتياز فترة الاربعة اشهر القادمة بأقل خسائر على كل المستويات ولا سيما على المستويين السياسي والاقتصادي، فان على الحكومة الجديدة ان تعمل بعيدا عن الضغوط التي اعتاد البعض ممارستها طوال فترة عهد الرئيس عون ، وجعل الموضوع الاقتصادي عنوان عملها لأن باقي الاستحقاقات السياسية وخصوصا موضوع اختيار رئيس جديد للجمهورية يتم عبر التوافقات الدولية والاقليمية التي لن تسمح بالعودة مجددا الى تجربة مثل تجربة الرئيس عون ، لأن الوضع الاقتصادي في لبنان وصل الى الانهيار وهو ما يشكل خطرا على الامن والاستقرار في المنطقة ، ولأن مساعدة لبنان دوليا تستلزم استقرارا سياسيا وهو تتولاه حاليا فرنسا عبر مشاورات تجريها السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو مع مختلف الاطراف في لبنان ولا سيما مع "حزب الله" ، وهو ما قد يؤدي الى نتائج مباشرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

بالخلاصة الوضع في لبنان لايحتمل مزيدا من المهاترات السياسية لهذا الطرف اوذاك ، فالوضع وصل الى حافة الانهيار في كل المجالات ، وفرصة اختيار رئيس للحكومة وتشكيل حكومة جديدة لمدة اربعة اشهر، قد تكون فرصة لا تعوض لانقاذ لبنان اذا سلمت النوايا. فهل تصلح النوايا من اجل انقاذ لبنان واللبنانيين ام نبقى ندور في الحلقة المفرغة ؟

بسام غنوم