العدد 1556 /29-3-2023

فيما تشتد الازمات السياسية والاقتصادية على لبنان واللبنانيين ، كان لبنان في الايام القليلة الماضية على موعد مع ازمة جديدة هي قرار رئاسة مجلس الوزراء تأخير العمل بالتوقيت الصيفي حتى انتهاء شهر رمضان المبارك ، وهو ما اثار عاصفة من الاحتجاجات والاعتراضات من قبل المرجعيات الدينية والسياسية المسيحية التي اعتبرت قرار وقف العمل بالتوقيت الصيفي كأنه محاولة لأسلمة لبنان وتغيير "وجهه الحضاري" ، ودارت حربا ضروسا على وسائل التواصل الاجتماعي تناولت الموضوع بنفس طائفي بغيض ، وكأن القرار بعدم تقديم الساعة سوف يؤدي الى خراب الاقتصاد اللبناني والى تغيير وجه لبنان الثقافي.

ووصل الامر برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى اعتبار قرار وقف العمل بالتوقيت الشتوي بمثابة انقلاب على الشراكة الوطنية في لبنان فقال : 'يريدون رئيسا يفصل لبنان عن العالم كما فصلوه عن التوقيت العالمي بقرار همايوني وحوّلوا المشكلة لطائفية لإخفاء تقرير صندوق النقد بحقهم، ولكن لن يستطيعوا تحويل التوقيت الى قضية طائفية لأنكم تريدون ادارة البلد كما تتعاطون بقصة الساعة ولكن لن نسمح لكم'.

واللافت في الموضوع ان موقف باسيل كان له استجابة من الرابطة المارونية والبطريركية المارونية ومن مختلف وسائل الاعلام المسيحية حيث اعلنت محطتي ال lbc و ال mtv و تضامنت معهم قناة الجديد في قرار عدم الالتزام بالتوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان مما اشاع اجواء من الانقسام الطائفي في لبنان وذكر اللبنانيين بخطابات الحرب الاهلية البغيضة ، مما دعا مفتي راشيا الى القول : " نحن نؤمن بالوطن وبالشراكة الوطنية مع الآخر إنهليس مقبولا التعاطي مع رئاسة الحكومة بهذه الحيثية ولا مع المسلمين بهذا الخطاب الغير أخلاقي، وعلى العقلاء من الشركاء في هذا الوطن أن يصوبوا للشاردين بوصلة الطريق نحو الوطن لاحترام السلطات والشركاء في لبنان لا أن يتعاملوا وكأنها حرب عقدية، ونحن نعتبر أن المشكلة تكمن في عدم انتخاب رئيس للجمهورية لا في تعديل توقيت بسبب وجيه في شهر رمضان المبارك، وليس إلغاء للتوقيت بالكلية" .

هذه المواقف من قضية هامشية جدا بالنسبة الى حجم المشاكل التي يعاني منها لبنان على مختلف الصعد تطرح جملة تساؤلات منها :

-لماذا ولمصلحة من اثارة خلاف طائفي طويل عريض بين اللبنانيين في هذه الايام من اجل قضية ادارية لاعلاقة لها من قريب او بعيد بالشراكة الوطنية وتغيير وجه لبنان الثقافي... الخ ، فيما لبنان بحاجة اكثر من اي وقت مضى الى تكاتف جميع ابناءه .

-ربط قضية تغيير الساعة من قبل النائب جبران باسيل والقيادات المسيحية والبطريركية المارونية بقضية عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية محاولة مكشوفة لاستغلال ما جرى لتحقيق مكاسب شعبوية وطائفية على حساب امن واستقرار لبنان .

-القيادات الاسلامية لم يكن لها اي دور في قرار رئاسة مجلس الوزراء سواء قبل وبعد قرار تقديم الساعة والعودة عنه بفعل الضغوط من القيادات المسيحية ، والمفتي دريان قال في كلمة له بمناسبة شهر رمضان " بصراحة، وبدون مواربة: إما انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة، أو الفوضى التي بدأت معالمها تظهر شيئا فشيئا في الوطن، ويدفع الثمن المواطن.

وأضاف " المطلوب الاحتكام إلى الدستور، وانتخاب رئيس للبلاد، اليوم قبل الغد، لا نستطيع الانتظار أكثر من ذلك، والاستجابة لمطالب الناس وحاجاتهم، الذين بدأوا يفقدون الحد الأدنى من مقومات الحياة، ومن المؤسف أن الطبقة السياسية في مكان، والشعب في مكان آخر" ، فكيف يمكن اتهام المسلمين في لبنان بمحاولة الانقلاب على الشراكة الوطنية ؟

-قضية الشراكة الوطنية بعد كل المواقف التي صدرت عن القيادات المسيحية الدينية والسياسية اصبحت محل شك عند المسلمين في لبنان ، لأن رد الفعل المبالغ فيه من قبل هذه القيادات على قضية هامشية مثل قضية تقديم الساعة ساعة وربطها من قبل هذه القيادات بمحاولة تغيير وجه لبنان ، يؤكد ان التكاذب الوطني والحسابات الطائفية هي التي تحكم مواقف هذه القيادات لا المصلحة الوطنية ووحدة اللبنانيين وغيرها من الشعارات الفارغة.

بالخلاصة يمكن القول قضية عدم تغيير التوقيت الشتوي والعودة عنه بعد ذلك اكدت ان مشكلة لبنان الاساسية والتي تتفرع منها كل المشاكل السياسية والاقتصادية هي العقدة الطائفية ، ولذلك لن تقوم قائمة للبنان الا بالتخلص من العقد الطائفية التي دمرت لبنان واللبنانيين.

بسام غنوم