العدد 1366 / 19-6-2019
قاسم قصير

فاجأ الرئيس نبيه بري وكتلة التنمية والتحرير التي يرأسها، اللبنانيين بطرح مشروع جديد لقانون الانتخابات النيابية قبل حوالي ثلاث سنوات من انعقادها ، وفي حين كان اللبنانيون مشغولين بأمور الموازنة والاوضاع المالية والاقتصادية والنازحين السوريين أنجزت اللجنة التي شكّلتها كتلة التنمية والتحرير لإعداد إقتراح قانون جديد للإنتخابات النيابيّة أعمالها، رفعت اللجنة في شهر نيسان الماضي خلاصة مشروعها إلى "الكتلة" التي عقدت إجتماعًا برئاسة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي، وافقت خلاله على مشروع قانون الإنتخاب الجديد بعد إدخال بعض التعديلات عليه. وأعطى الرئيس برّي "الضوء الأخضر" للإنطلاق في جولة مُشاورات واسعة مع مُختلف الكتل النيابيّة لإستمزاج رأيها فيه، في ظلّ عزم "حركة أمل" رفع المشروع إلى المجلس النيابي في الوقت المناسب.

فماهي الاسباب التي دفعت الرئيس بري لطرح مشروع قانون الانتخابات اليوم؟ وما هي ابرز نقاط المشروع والملاحظات عليه؟ وهل يمكن القبول بهذا القانون من قبل القوى السياسية والحزبية؟

التوقيت والمضمون

أوساط سياسيّة مقربة من الرئيس بري اشارت إلى أنّه على الرغم من أنّ الدورة المُقبلة للإنتخابات النيابيّة يُفترض أن تتمّ في ربيع العام 2022، أي بعد نحو ثلاث سنوات من اليوم، فإنّ رئيس مجلس النوّاب مُصرّ على تفعيل مساعيه وتحرّكاته لدفع القوى السياسيّة المُختلفة للتعاطي بجديّة مع مسألة قانون الإنتخابات النيابيّة، لأنّه يعتبر أنّ تعديل القانون الحالي مسألة مطلوبة بإلحاح وانه لا يمكن الانتظار الى حين البدء بالتحضير للانتخابات لطرح المشروع وذلك منعا لسلق المشروع الجديد وللاستفادة من الاخطاء التي حصلت في القانون الحالي.

وقد بدأ وفد من كتلة التنمية والتحرير اللقاءات مع مُختلف الكتل السياسيّة النيابيّة ، بهدف تأمين أغلبيّة نيابيّة راغبة بتعديل القانون الحالي من جهة، وعلى تأمين مجموعة نيابيّة مُؤيّدة للقانون المُقترح من قبلها، علمًا أنّ المشروع المَذكور ينطلق من أرضيّة قويّة بسبب عكسه لمواقف حركة أمل وقوى سياسية وحزبية مؤيدة له.

ولفتت الأوساط عينها الى أنّ المشروع المرفوع من جانب كتلة التنميّة والتحرير ينصّ على إعتمادلبناندائرة إنتخابيّة واحدة بدلاً من 15 دائرة إنتخابيّة كما هي الحال في القانون الحالي، وكذلك على إلغاء مسألة "الصوت التفضيلي" لصالح إعتماد التراتبيّة الإسميّة التي في ضوئها تتحدّد هويّات المُرشّحين الفائزين وإعتماد النسبيّة الكاملة من دون أي قُيود أو ضوابط وفق " لبنان دائرة واحدة"، بحيث يجري توزيع المُرشّحين على لوائح مُغلقة يتم تحديد الأعضاء ضُمنها بشكل مُسبق، على أن تتوالى أسماء المُرشّحين في هذه اللوائح وفق تراتبيّة إسميّة تسلسليّة، وتكون حُظوظ النجاح أكبر للمُرشّح الذي يحظى بتراتبيّة أعلى في اللائحة، مع تطبيق التوزيع الطائفي والمذهبي، منعًا لطُغيان طائفة على أخرى أو مذهب على آخر، وحرصُا على المُناصفة في المجلس النيابي. وتابعت أنّ النسبيّة المُطبقّة في العالم تشترط ترقيم أسماء المُرشّحين ضُمن كل لائحة، على أن يقترع الناخبون لصالح اللائحة ككل، وليس لأحد المُرشّحين فيها، وكلّما إستحوذت أي لائحة على نسبة تصويت أعلى، كلّما كانت فرص الفوز كبيرة للمُرشّحين فيها.

ملاحظات على المشروع وحظه من النجاح

لكن ما هي ابرز الملاحظات على المشروع ؟ وهل له الحظ بالنجاح , والموافقة عليه من قبل القوى السياسية والحزبية؟

خبراء متخصصون في قوانين الانتخابات اعتبروا ان المشروع يتضمن نقاطا ايجابية وخصوصا على صعيد جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد النسبية , مع الحفاظ على تقسيم المقاعد بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين ، لكن الألية التي يعتمدها لتحديد الناجحين تحتاج لبعض التعديلات والوضوح وذلك لتلافي اية اخطاء واشكالات ولذا لا بد من مناقشته بشكل واسع وطرحه امام الخبراء والمختصين والقوى السياسية والحزبية وعقد ورش عمل حوله.

اما حول مواقف القوى السياسية والحزبية , فاشارت بعض الاوساط الاعلامية الى أنّ "تيارالمُستقبل" مع فكرة فتح النقاش جديًا لتعديل قانون الإنتخاب الحالي، لكنّها ترفض إعطاء رأيها بمشروع كتلة التنميّة والتحرير الإنتخابي من اليوم، إفساحًا في المجال أمام مُناقشة هادئة، بغضّ النظر عن القوى التي تؤيّده أو تُعارضه.

واما القوات اللبنانيّة فأكّدت مصادر مقربة منها : أنّ الأولويّة اليوم، بعد مُرور سنة على الإنتخابات النيابيّة، ليست في إعادة طرح وتعويم مسائل تُشكّل أبوابًا للخلاف وللإنقسام، في لحظة دقيقة إقتصاديًا وماليًا وحياتيًا، حيث يخشى اللبنانيّون إنهيار الدولة ومقوّماتها، وانها ستحدد موقفها لاحقا.

مصادر التيّار الوطني الحُرّ أكّدت الإنفتاح على أيّ طروحات , بشرط تحسين قانون الإنتخابات نحو الأفضل، لافتة إلى أنّه سيكون "للتيّار" موقف صريح ورسمي بمُجرّد وُصول النقاشات والجولات الحالية إليه، مُذكّرة في الوقت عينه بالرفض المبدئي لإقتراح إعتماد لبنان دائرة واحدة مع النظام النسبي، لأنّ هذا الأمر يُغلّب الديمقراطيّة العدديّة، ويُشوّه تمثيل الأقليّات، بينما هدف التيّار الوطني الحر هو تحسين تمثيل كل القوى السياسيّة والطائفيّة وفق مبدأ المُناصفة العادلة.

ويتلاقى المشروع بشكل عام مع مواقف حزب الله وبعض القوى اليسارية ومؤسسات المجتمع المدني وهو يخدم القوى الاسلامية المنتشرة في كل المناطق .

لكن لا يمكن الجزم بأن المشروع سيمر بسهولة بسبب اعتراضات العديد من القوى على جعل لبنان دائرة واحدة وخوفا من طغيان بعض القوى السياسية اوالمذهبية ، وان كان مجرد طرح المشروع اليوم يشكل فرصة هامة للنقاش في مستقبل النظام السياسي اللبناني وكيفية استكمال تطبيق اتفاق الطائف والاصلاحات المطلوبة لاخراج لبنان من الطائفية السياسية وتشكيل مجلس للشيوخ والغاء الطائفية كلية من المجلس النيابي وفقا للدستور ونصوص الطائف.

قاسم قصير