العدد 1479 /22-9-2021

رغم التكتم الإسرائيلي أعلنت الشركة الأميركية المختصة بالبحث عن موارد الطاقة "هاليبرتون" (Halliburton) فوزها بعطاء طرحته تل أبيب للتنقيب على الغاز في المياه الإقليمية التي تعد ساحة صراع بين لبنان وإسرائيل في البحر المتوسط.

ويعيد هذا العطاء للتنقيب في منطقة متنازع عليها الصراع بين إسرائيل ولبنان على حقول الغاز في المتوسط إلى الواجهة، وعلى إعادة ترسيم الحدود البحرية بينهما، وذلك بعد تعثر المفاوضات التي انطلقت في تشرين الأول 2020 برعاية أممية ووساطة أميركية.

وامتنعت وزارة الطاقة الإسرائيلية عن الإفصاح والإعلان رسميا عن الاتفاقية التي تخول الشركة الأميركية للتنقيب عن الغاز في مياه البحر المتوسط قبالة شواطئ حيفا.

غير أن شركة "هاليبرتون" أفصحت -من خلال بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني- أنها ستتعاون مع شركة "إنرجين" (Energean) اليونانية لاستكشاف وتقييم وتطوير آبار طاقة بحرية في إسرائيل، من غير تحديد الموقع الجغرافي لتلك الآبار.

عطاءات ومفاوضات

ويخول الترخيص الذي حصلت عليه الشركة الأميركية للتنقيب عن الغاز بالتعاون مع الشركة اليونانية -وبتوكيل من شركتي "نوبل إنرجي" (Noble Energy) الأميركية، و"ديلك كيدوحيم" (Delek Kedohim) التي تعمل لصالح إسرائيل- في حقل "كريش" بالبحر المتوسط (160 كلم شمال غرب حيفا)، وهو الحقل المتنازع عليه مع لبنان، على أن يتم -بحسب الترخيص- حفر 3 إلى 5 آبار استكشافية للتنقيب عن الغاز.

وبموجب الترخيص، تلتزم شركة "هاليبرتون" بتقديم جميع الخدمات من حفر وتنقيب في عمق البحر، بما في ذلك إدارة المشروع وتأمين مستلزمات الحصول على بيانات أكثر دقة في تقييم إمكانيات الإنتاج، علما أن حقل "كريش" -الذي تم اكتشافه عام 2012- تتراوح كمية الغاز المقدرة فيه بين 60-80 مليار متر مكعب.

ويضاف هذا إلى حقلي "تمار" و"لفيتان" اللذين اكتشفا عامي 2009 و2010 قبالة البحر المتوسط على بعد 90 كلم إلى 130 كلم غرب حيفا، حيث تصر الحكومة اللبنانية على أنهما ضمن المياه البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل، والتي رفضت بدورها موقف لبنان، وأكدت للوسيط الأميركي أن كلا الحقلين خارج أي مفاوضات أو تسوية مستقبلية.

وتبحث المفاوضات الأممية بوساطة أميركية في مساحة متنازع عليها تبلغ 2290 كيلومترا، وتصر الحكومة اللبنانية على أن المساحة أكبر من هذه، فيما المطروح التفاوض على مساحة 860 كيلومترا فقط.

وأوضح الوسيط الأميركي -عقب جولة المفاوضات الخامسة في أبريل/نيسان من العام الجاري- أن بيروت رفعت مجددا سقف مطالبها.

حزب الله وإيران

وتأتي هذه التوجهات الإسرائيلية والأميركية لتسوية النزاع على الحدود البحرية في ظل أزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية تعصف بلبنان، وأزمة حكم عمقتها جائحة كورونا.

ويقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن لبنان يمر بظروف غير مسبوقة ويشهد حالة انهيار بمرافق الدولة، وهذه الحالة بمثابة فرصة ذهبية لإسرائيل للضغط عليه وابتزازه بانتزاع المزيد من المساحات في المياه البحرية وحقول الغاز والطاقة، إلى جانب إرغامه على محاصرة حزب الله والحد من النفوذ الإيراني.

وأشار شلحت -للجزيرة نت- إلى أن التقديرات الأمنية الإسرائيلية ومراكز أبحاث الأمن القومي تخشى وتحذر من تعاظم قوة حزب الله في لبنان، وهو التعاظم الموازي لتعزيز قوة إيران في سباق التسلح النووي وتطوير الصواريخ الباليستية، وعليه، توظف تل أبيب ورقة حقول الغاز وترسيم الحدود البحرية لمزيد من الضغط على لبنان لمحاصرة إيران وحزب الله.

وبرأي شلحت، فإن منح الشركة الأميركية تراخيص التنقيب عن الغاز بالمتوسط يعكس وحدة المخططات الأميركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط. ويشير هنا إلى سعي الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت لتعزيز التنسيق الأمني والسياسي مع إدارة الرئيس جو بايدن في مختلف الملفات والقضايا المهمة، ومنها الطاقة والغاز.

اكتشافات وصراعات

أدت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى تحرك سياسي كبير خلال العقد الماضي، وإلى تحالفات أعادت رسم الصراعات بين الدول، على أمل تعظيم ثرواتها البحرية، ووضع اليد على أكبر مساحة من النفط والغاز.

وحول ذلك، يوضح مدير معهد "ميتفيم" (Mitvim) المختص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط نمرود جورون أن منح شركة أميركية التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية قبالة حيفا يأتي في سياق تطلع إسرائيل لأن تكون دولة طاقة على نطاق الشرق الأوسط، والتنافس على مستوى العالم، ومسابقة الزمن لاستغلال الموارد الطبيعية من النفط والغاز مع توجه العالم إلى الطاقة النظيفة.

ويعتقد جورون -في حديث للجزيرة نت- أن حكومات المنطقة تسعى بتدخل من دول عظمى إلى تعزيز المشاريع الطموحة لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب تحت الماء.

وبتشجيع من الولايات المتحدة أنشئ مطلع عام 2019 إطار أولي للتعاون الإقليمي باسم "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذي يضم مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.

تدفع الأوضاع المتدهورة لبنان إلى التفاوض حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط سعيا لحلحلة أزمته الاقتصادية (رويترز)

ابتزاز وحصار

ويقول جورون إن لبنان الذي غاب عن منتدى غاز المتوسط -رغم صراعه مع إسرائيل بشأن حقول الغاز على الحدود البحرية الشمالية- وجد نفسه محاصرا وعرضة للابتزاز من قبل إسرائيل في كل ما يتعلق بحقوق الطاقة والغاز.

ولذلك، اختار لبنان -يقول جورون- "مسار المفاوضات وتسوية الصراع مع إسرائيل بشأن المياه البحرية وحقول الطاقة والغاز، بغية أن تسهم اكتشافات الغاز وموارد الطاقة في حلحلة الأزمة الاقتصادية لديه".

ويعتقد جورون أن منح شركة أميركية صلاحية التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية قبالة إسرائيل بمثابة مؤشر على أن دولة الاحتلال عازمة على التنقيب والاستفادة من الغاز حتى لو كان ذلك على حساب تقويض الحقوق اللبنانية وتقليصها بكل ما يتعلق بحقول الغاز والمناطق المتنازع عليه، وفي تقديره إذا لم تباشر إسرائيل بالتنقيب قد تخسر ما يصل إلى 72 مليار دولار من عائدات الغاز المباشرة، إلى جانب عائدات الضرائب غير المباشرة.

واستبعد مدير معهد "ميتفيم" إمكانية أن تؤدي عطاءات التنقيب عن الغاز التي منحت للشركة الأميركية إلى إنهاء الوساطة الأممية ومهمة المبعوث الأميركي.

ويعتقد أن "هذا العطاء يمكن أن يشكل ورقة ضغط على لبنان للقبول بالشروط الإسرائيلية، وبأي تسوية أممية أو أميركية مقترحة مستقبلا، في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية وتوسيع دائرة هيمنة حزب الله وتغلغل نفوذ إيران في لبنان".

محمد وتد