وائل نجم – كاتب وباحث

ظُهْر الأحد، الرابع عشر من كانون الثاني، ومن دون سابق إنذار، هزّ انفجار عنيف هدوء مدينة صيدا وجوارها، ليتبيّن لاحقاً أنه استهدف إحدى الشخصيات المسؤولة في حركة حماس، ولكن غير المعروفة في الوسط اللبناني أو حتى الفلسطيني. الشخصية المستهدفة (محمد حمدان) غير معروف بمسؤولياته في الحركة، فضلاً عن أنه يقطن حيّاً سكنياً مكتظاً في مدينة صيدا، ويمارس حياته اليومية بشكل طبيعي، وقد نجا من محاولة الاغتيال، التي على ما قال الخبير العسكري اللبناني، كانت عبارة عن عبوّة ناسفة بزنة خمسمئة غرام من المواد الشديدة الانفجار، زُرعت في سيارة «حمدان» أو قربها، وعندما همّ بفتح باب السيارة، انفجرت العبوّة، وأحدثت دوّياً كبيراً في المحيط، فضلاً عن إحراق عدد من السيارات التي كانت مركونة في المرأب الذي كان حمدان قد ركن سيارته فيه، فضلاً عن الجراح التي أصيب بها.
ردّ الفعل الأولي لحركة حماس على محاولة اغتيال أحد عناصرها أو كوادرها، كان اتهام «كيان الاحتلال الإسرائيلي» بالوقوف خلف المحاولة، وهو ما أعلنته الحركة في بيانها الذي صدر من بيروت، أو على لسان ممثّلها في لبنان، علي بركة.
لكن المسألة في تفسير معنى هذا الاستهداف، وفي دلالاته للأطراف المعنيّة.
الجميع يكاد يجزم بأن الطرف الوحيد المستفيد من هذه المحاولة هو «كيان الاحتلال»، وبالتالي فإن الجزم يذهب إلى التأكيد أنه الطرف الوحيد الذي يقف خلف العملية، بغضّ النظر عن الأدوات المستخدمة. لكن السؤال التالي هو : لماذا يُقْدم «كيان الاحتلال الاسرائيلي» على هذه العملية في لبنان في هذه المرحلة؟
وللإجابة، يمكن القول: إن «حكومة الاحتلال» الصهيوني مهتمّة دوماً بقتل وتصفية كل من تعتبره في خط مقاومتها، ويشكّل خطراً ولو نسبياً عليها، عندما تسمح لها الظروف والموقف بذلك. ولكن أن تختار الساحة اللبنانية لتصفية أحد الكوادر غير المعروفين، فهذا يعني أن «هذه الحكومة» إما أنها أرادت أن تنقل المعركة مع حركة حماس إلى خارج فلسطين المحتلة، في ضوء الإخفاقات في كشف خلايا حماس في الضفة الغربية، وتهيّب كلفة المواجهة معها في غزة، وبالتالي اختبار ردّ فعل حماس على هذا الأمر، وإما أنها أرادت أن تختبر ردّ فعل لبنان الرسمي، وتحديداً «حزب الله»، حيال هذا الخرق الأمني الواضح للمنظومة الأمنية اللبنانية الرسمية، أو تلك التي تتبع «حزب الله»، وذلك للبناء على ردّ الفعل ذلك، خطوة أخرى، قد تُقْدم عليها «حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي» تجاه الحزب نفسه. وهنا يبرز سؤال آخر: كيف ستتعامل حركة حماس و«حزب الله» في ضوء حديث الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وقادة حماس عن وحدة جبهة بينهما في أية معركة عسكرية قادمة مع «قوات الاحتلال الإسرائيلي»، حيال هذا الاستهداف المزدوج، إذا صحّ التعبير؟
لقد أكدت حركة حماس مراراً حرصها على حصر مواجهتها مع «الاحتلال» داخل نطاق الأراضي المحتلة في فلسطين، إلا أن تغيّر قواعد الاشتباك بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، وفي ضوء تعثّر مسار المصالحة الوطنية مع السلطة، وفي أجواء الحصار المفروض على الحركة من أكثر من موقع وطرف، لا يُستبعد أن تفكّر الحركة جدّياً، هذه المرّة، في بحث تغيير قواعد الاشتباك مع «إسرائيل»، ولكن من ضمن موازين وحسابات دقيقة وحسّاسة لا تعود نتائجها على الحركة وعلى الشعب الفلسطيني عكسياً، وفي هذه الحالة يمكن اتخاذ هذه المحاولة الفاشلة لاغتيال حمدان، مبرّراً لتغيير قواعد الاشتباك، ولو جزئياً، وإن كنْتُ أميل إلى أن الحركة لن تغيّر الآن تلك القواعد، وإن كان من المشروع أن تبدأ التفكير بها.
أمّا بالنسبة إلى حزب الله، فهو يدرك أن هذه العملية تُعدّ خرقاً لمنظومته من ناحية، وتسجيلاً بالنقاط لحساب «إسرائيل» من ناحية ثانية، توجب عليه ردّ الاعتبار لجهازه الأمني، فضلاً عن تحليل رموز هذه الرسالة الدموية، حتى يكون الردّ من جنس العمل لاحقاً.
محاولة اغتيال «محمد حمدان» في صيدا قد تكون بداية الحرب المفتوحة بين «قوات الاحتلال الاسرائيلي» وحماس وحلفائها، ولكنها بكل تأكيد ستكون حرباً مدروسة في كل خطوة من خطواتها، وعند كل الأطراف المعنية، في ضوء توازن الرعب الذي يحكم الجميع في لبنان والمنطقة.}