بسام غنوم

عاد الهدوء إلى الساحة السياسية، وعادت الرتابة لتطبع الوضع السياسي برمته، ولا سيما في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي.
فبعد الإثارة السياسية المبالغ فيها التي أثارها تحرك الرئيس سعد الحريري تجاه بعض القوى والشخصيات الفاعلة بخصوص احتمال قبول الرئيس الحريري ومعه «تيار المستقبل» بخيار عون رئيساً للجمهورية للخروج من دوامة المراوحة الرئاسية التي شارفت على سنتين ونصف سنة، عاد الوضع إلى ما كان عليه قبل «مشاورات» الحريري الرئاسية، سواء لناحية تمسك كل القوى السياسية بمواقفها من الاستحقاق الرئاسي عامة، ومن خيار عون رئيساً خاصة، وهو ما عبّر عنه بكل وضوح الرئيس تمام سلام بالقول رداً على سؤال عن الاتصالات الجارية لانتخاب رئيس للجمهورية: «أنا مع انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، ونرحب بأي مسعى في هذا الإطار... ومعلوماتي أن المساعي جدية، وقد قطعت شوطاً، لكن لا نتائج فعلية حتى الآن، ولا نعلم ما إذا كانت ستنتج أو لا ومتى تنتج وكيف».
إلا أن اللافت في حركة «المشاورات» السياسية التي قام بها الرئيس سعد الحريري، أنها أعادت خلط الأوراق الرئاسية رأساً على عقب، فانتقل السجال حول تعطيل الاستحقاق الرئاسي من «تيار المستقبل» إلى الرئيس نبيه بري، ومن خلفه حزب الله تحت عنوان «سلة الشروط» السياسية التي يطالب بها الرئيس بري من أجل تمرير الاستحقاق الرئاسي.
فما هي الصورة الجديدة للخلاف حول الاستحقاق الرئاسي، وهل هناك رغبة أصلاً في الوصول إلى تفاهم أو تسوية تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية؟
قبل الحديث عن موقف الرئيس بري والسلة السياسية التي يطالب بها الرئيس العتيد، لا بدّ من التوقف أولاً عند بعض المواقف الإعلامية التي تناولت مواقف العماد عون بالنقد والتجريح من قبل بعض المؤسسات الإعلامية المحسوبة على حزب الله.
فقد أبرزت جريدة السفير في عددها الصادر يوم السبت 8 تشرين الأول الجاري عنواناً لافتاً في صفحتها الأولى جاء فيه: «حزب الله» يؤدي واجباته.. أين «الجنرال»؟
وقالت: «قام «حزب الله» بواجباته مع حليفه المسيحي الاستراتيجي ميشال عون. سدد له فاتورة الوفاء بأجمل مما كان يتوقعها، وذلك بمجرد أن قرر سعد الحريري أن يضع اسمه على لائحة خياراته.. وصولاً إلى تبنيه نظرياً من دون أي سند سياسي معلن حتى الآن»، وأضافت: «إنها معركة خيارات كبرى في المنطقة... في معركة إقليمية ودولية ستترك بصماتها ليس على مستقبل لبنان وسوريا والمنطقة، وإنما النظام العالمي الجديد».
واللافت أن هذه المواقف الإعلامية التي كتبها المحرر السياسي في جريدة السفير، جاءت بعد الإطلالة التلفزيونية للعماد عون على قناة الـ«O.T.V» أطلق فيها مواقف ايجابية من السعودية، ومن الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل»، وهذا ما أثار حفيظة «حزب الله» على ما يبدو، الذي أراد تذكير العماد عون بقيامه «بواجباته مع حليفه المسيحي الاستراتيجي»، حتى لا يندفع إلى تفاهمات سياسية مع الرئيس سعد الحريري، لأنه بحسب «حزب الله»، ما يجري في المنطقة «معركة خيارات كبرى.. بصماتها ليست على مستقبل لبنان وسوريا والمنطقة، وإنما النظام العالمي الجديد»، وبالتالي فليس مقبولاً من العماد عون -بحسب حزب الله- تخطي هذا الواقع الاستراتيجي عبر القبول بتفاهمات وتسويات مع الرئيس سعد الحريري لا يوافق عليها «حزب الله»، أو بالأحرى يرفضها رفضاً باتاً في هذه المرحلة الحساسة من الصراع الدائر في المنطقة، ولذلك ذكّر «حزب الله» عبر «السفير» العماد عون بالوفاء الواجب منه تجاه «حزب الله».
أما الوجه الآخر للخلاف حول الاستحقاق الرئاسي، وهو الجانب السياسي، فقد تولاه الرئيس نبيه بري الذي بدأ حملة سياسية لا سابق لها على العماد عون، مع بدء المشاورات السياسية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري، وقد كانت «السلة السياسية» هي عنوان الاشتباك مع العماد عون، الذي امتدّ إلى الخلاف مع بكركي ومع مجمل الساحة المسيحية بعد دخول البطريرك الراعي ومجلس المطارنة على خط الخلاف الرئاسي حول السلة السياسية التي أعلنها الرئيس نبيه بري. ورغم محاولة الرئيس نبيه بري ترطيب الأجواء مع بكركي والبطرك عبر الزيارة التي قام بها وزير المالية علي حسن خليل لبكركي وتأكيده إيجابية العلاقة مع البطرك الراعي، إلا أن الراعي أعاد التذكير في عظة الأحد بموقفه من سلة الشروط، فشدد على أن «سائر المواضيع التي طرحت على طاولة الحوار، أو في لقاءات ثنائية، فهي على أهميتها، لا يمكن أن تكون ممراً إلزامياً لانتخاب الرئيس أو شروطاً أو قيوداً على المرشح أو على الرئيس المنتخب، لكونها تخالف الدستور نصاً وروحاً»، وقد دفع ذلك الموقف المستجد للبطرك الراعي الرئيس بري الى القول صراحة في اجتماع هيئة مكتب المجلس النيابي: «لا أريد عون رئيساً»، وهو ما يؤكد أن معركة الاستحقاق الرئاسي التي يديرها «حزب الله» من وراء الكواليس، سواء عبر الإعلام عبر الصحف والمجلات التابعة له والمتعاطفة معه، أو عبر التعاون والتنسيق مع الرئيس نبيه بري، ليست على أبواب حل قريب، وهي مرتبطة بتطورات الوضع في المنطقة التي يراهن عليها «حزب الله» بقوة في ضوء الصراع الروسي - الأ ميركي المتفاقم حول الوضع في سوريا، وفي ظل التطورات العسكرية الأخيرة في حلب التي أعطت بفعل الغارات الروسية المكثفة الأفضلية النسبية على الأرض للنظام السوري وللميليشيات الطائفية التي تقاتل دفاعاً عنه، وبالتالي وفقاً لما يقوله النائب مروان حمادة، أن «لا شيء يوحي بأن الأمور ستحسم في جلسة 31 تشرين الأول»، ملاحظاً أن «حزب الله لا يقول لنا ماذا يريد ويلتزم الصمت المريب».
بالخلاصة، لا تفاهمات ولا تسويات قريبة في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وإذا كان لحركة المشاورات الأخيرة للرئيس سعد الحريري من حسنة فهي، أنها جعلت اللعب على المكشوف.