بسام غنوم

تتسارع التطورات السياسية على الساحة اللبنانية منذ اعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة من العاصمة السعودية الرياض. وإذا كانت استقالة الرئيس سعد الحريري قد فاجأت كل الأوساط السياسية والدبلوماسية والأمنية بكل ما في الكلمة من معنى، فإن ردود الفعل على الاستقالة من قبل «حزب الله» والتيار الوطني الحر وفريق 8 آذار لم تكن أقل منها مفاجأة.
فهذه القوى مجتمعة تعاملت مع استقالة الرئيس سعد الحريري وكأنها قرصنة سياسية سعودية، وقامت الوسائل الإعلامية التابعة لها ببثّ شائعات لا سابق لها حول وضع الرئيس الحريري في السعودية، وراوحت هذه الشائعات بين أنه تم اعتقاله أسوة بالاعتقالات التي طاولت بعض الأمراء والوزراء والمسؤولين في السعودية، وبين أنه أُرغم على تقديم استقالته من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزجِّ لبنان في الحرب الإيرانية - السعودية الدائرة في المنطقة.
وإذا كانت الأيام التالية قد ساهمت في تبديد جزء كبير من هذه الشائعات بعد استقبال العاهل السعودي للرئيس سعد الحريري، فإن المواقف التي تلت لقاء الحريري مع الملك سلمان والتي أعلنها الوزير ثامر السبهان، وجاء فيها أن «الحديث عن اجبار الحريري على الاستقالة أكاذيب لتشتيت اللبنانيين»، وأضاف أن «الرئيس الحريري وشرفاء لبنان لن يقبلوا بمواقف ميليشيا حزب الله»، أكدت هذه المواقف ان لبنان دخل مرحلة سياسية جديدة بكل ما في الكلمة من معنى، وهي مرحلة بعيدة عن المرحلة السابقة التي كانت تحمل عنوان التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس عون الى رئاسة الجمهورية، وبالرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.
والآن فإن السؤال المنطقي هو: ماذا بعد استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية؟
بالنسبة إلى «حزب الله» والرئيسين عون وبري، فإن الوقت لم يحن بعد للبحث في مرحلة ما بعد استقالة الرئيس سعد الحريري. فالرئيس بري بعد لقائه الرئيس عون في قصر بعبدا قال إن «التفاهم كامل وناجز مع رئيس الجمهورية في الأزمة الراهنة»، وأكد انه يؤيد «البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية عن الاستقالة»، وقال رداً على الصحافيين الذين سألوه عن استقالة الرئيس الحريري: «من المبكر التحدث عن استقالة حكومة أو تأليف حكومة».
هذا الموقف المتريث من استقالة الرئيس الحريري من قبل الرئيسين عون وبري سبقه موقف الأمن العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أعلنه في كلمة له بعد إعلان استقالة الحريري، وجاء فيه: «إن حزب الله لم يكن يتمنى الاستقالة لأن الأمور كانت تسير بشكل معقول»، وأكد ان الحريري «لم يكن في وارد الاستقالة، ولم يكن هناك سبب داخلي لبناني لها، وعلينا أن نتريث قليلاً ولا نستعجل التحليل لأن المطلوب بالدرجة الأولى أن نفهم السبب».
وتكشف سياسة التريث وعدم التعامل بالجدية المطلوبة مع استقالة الرئيس الحريري من قبل «حزب الله» والرئيسين عون وبري وفريق 8 آذار أن هذا الفريق لم يستوعب حتى الآن الصدمة السياسية التي أحدثتها استقالة الرئيس سعد الحريري على كل الصعد، وخصوصاً على الصعيد السياسي لأنها جاءت في وقت كانت الأمور تسير فيه لمصلحة «محور الممانعة» في سوريا والعراق وفي كل المنطقة، وبالتالي إن استقالة الحريري بدت وكأنها خارج السياق العام للأحداث في المنطقة، وهي أعادت خلط الأوراق من جديد انطلاقاً من لبنان.
لكن ماذا عن موقف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، وبقايا فريق 14 آذار من إعلان استقالة الرئيس الحريري؟
الموضوعية تقتضي القول إن الفريق تفاجأ أيضاً باستقالة الرئيس سعد الحريري، حتى إن الرئيس الحريري نفسه -كما يقال- لم يكن يعلم بقرار الاستقالة السعودي، لأنه كان يتعامل مع التطورات السياسية يوماً بيوم ولم يكن يعلق على تغريدات الوزير السبهان اليومية تجاه «حزب الله» والوضع في لبنان، باعتبار أنها كانت مجرد مواقف إعلامية وسياسية لا أكثر ولا أقل وتدخل في إطار الصراع السعودي - الإيراني القائم في المنطقة.
والدليل على ذلك هو استمراره في القيام بمهماته الحكومية بشكل طبيعي، سواء في اجتماعات مجلس الوزراء أو عبر اللقاءات الوزارية بخصوص قانون الانتخاب، فضلاً عن لقاءاته الدبلوماسية التي كان آخرها استقباله مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي في السرايا الحكومية وخروج صحيفة المستقبل بعنوان عن اللقاء جاء فيه: «طهران توضح من السرايا: ندعم استقلال لبنان»، وهو ما يبدد أي التباس بأن الرئيس سعد الحريري كان في وارد الاستقالة من رئاسة الحكومة أو أنه كان مستاءً من سلاح «حزب الله» أو من الدور الإيراني في لبنان.
لكن يبدو أن الدور السعودي الجديد في المنطقة برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان له رؤية مختلفة للأمور، سواء ما يتعلق بإدارة الوضع الداخلي السعودي، وهو ما ترجم باعتقالات طاولت علماء الدين أولاً، ومن ثمة اقالة المسؤولين الأمنيين واعتقال عدد من الأمراء والوزراء والشخصيات السياسية والمالية ثانياً، وصولاً إلى طبيعة إدارة العلاقة في الإقليم مع إيران ثالثاً.
وفي هذا الإطار تأتي استقالة الرئيس الحريري، والمرحلة القادمة على لبنان أعلنها الوزير السعودي ثامر السبهان فقال: «إن السعودية ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب ميليشيات حزب الله التي تؤثر في كل القرارات التي تتخذها حكومة لبنان، وعلى اللبنانيين الاختيار بين السلام والانضواء تحت حزب الله».
إذاً لبنان أمام منعطف سياسي خطير بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، وقد يكون معرضاً لحصار وحرب اقتصادية في المستقبل القريب، ولا أحد يعلم إلى أين ستسير الأمور في لبنان مستقبلاً.}