قاسم قصير

هل يؤدي اخراج جبهة النصرة وسرايا أهل الشام من جرود عرسال، والمعركة ضد تنظيم داعش في جرود القاع الى انتهاء خطر التطرف والعنف على الوضع اللبناني؟
وما هي أبرز التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية التي يواجهها لبنان ودول المنطقة في المعركة ضد التطرف والعنف، بعد انتهاء المعارك العسكرية المباشرة؟
هذان السؤالان وغيرهما من الأسئلة بشأن المعركة ضد التطرف والعنف، طُرحا خلال العديد من اللقاءات والندوات والمؤتمرات في بيروت وعواصم عربية وغربية، وان كان الوضع اللبناني يحتل حالياً الصدارة والاهتمام لدى الجهات العربية والدولية، في ظل تداعيات المعركة التي حصلت في جرود عرسال والاتفاق الذي أدى إلى إخراج جهة النصرة من المنطقة، وفي ظل تصاعد التحضيرات للمعركة ضد تنظيم داعش في جرود رأس بعلبك والقاع؟
فهل تنتهي المعركة مع التنظيمات المتطرفة بعد هزيمتها العسكرية؟ وما هي أبرز التحديات التي يواجهها لبنان مع المرحلة المقبلة في مواجهة التطرف والعنف؟ وأين تكمن مسؤولية القوى والهيئات الإسلامية في المرحلة المقبلة؟
ما بعد المعركة العسكرية
بداية، هل تنتهي المعركة مع التنظيمات المتطرفة بعد الهزيمة العسكرية التي يتعرضون لها في لبنان ودول المنطقة؟
وحول السؤال الأول، يعتبر الكثيرون من الخبراء والمختصين بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة أنّ من الخطأ القول إن هزيمة هذه التنظيمات عسكرياً تنهي خطرها على لبنان ودول المنطقة، بل ان الهزيمة العسكرية تفرض المزيد من المخاوف والتحديات، لأن أعضاء هذه التنظيمات ينتقلون من العمل العسكري العلني الى العمل الأمني وإنشاء الخلايا والمجموعات للتحضير لعمليات تفجيرية أو انغماسية أو القيام بمفاجآت جديدة في نوعية العمليات، كما حصل ويحصل في العديد من الدول الغربية، وان كانت المخاطر على لبنان ودول المنطقة قد تصبح أقوى نظراً إلى معرفة أعضاء هذه التنظيمات بالواقع المحلي وقدرتهم على الاختلاط والانتشار في هذه البيئات.
ويضيف هؤلاء الخبراء، وقد يكون صحيحاً أن الأجهزة الأمنية اللبنانية (على اختلاف تنوعاتها)، قد نجحت في السنتين الماضيتين في كشف عشرات المجموعات المتطرفة واعتقالها، لكن الخطر الأمني قد يزداد في المرحلة المقبلة، في ظل حالة من الاسترخاء التي تسود بعض المناطق وما يقال عن حصول تغييرات في الترتيبات الأمنية التي يتولاها الجيش اللبناني في بعض المناطق وخصوصاً الضاحية الجنوبية وتسليمها لقوى الأمن الداخلي.
وإضافة إلى الخطر الأمني، هناك تحديات أخرى ينبغي العمل لمواجهتها كي لا يُتاح مرة أخرى للتنظيمات المتطرفة التحرك والنشاط في المناطق اللبنانية والاستفادة من بعض البيئات الناقمة على السلطة اللبنانية، ومن هذه التحديات الاسراع بإنهاء ملف الموقوفين الإسلاميين، والعمل لمعالجة كل الملفات التي تشكل مادة للاستغلال والسجال من قبل التنظيمات المتطرفة.
كذلك إن اعادة ترتيب أوضاع المناطق الحدودية وضبط هذه المناطق وعودة مقاتلي حزب الله من المشاركة في الصراع السوري ستكون أبرز القضايا التي ستطرح في المرحلة المقبلة، وقد اثيرت العديد من النقاشات حول هذا الملف في الأيام الماضية، فإذا كان حزب الله قد اعتبر ان تدخله في الصراع في سوريا بهدف منع الخطر عن لبنان، فإن اخراج المجموعات المتطرفة من المناطق الحدودية سيعيد طرح السؤال عن مستقبل هذا التدخل وانعكاساته الداخلية مرة أخرى.
القوى الإسلامية والمراجعة المطلوبة
في موازاة التحديات التي تواجه السلطة اللبنانية وحزب الله بعد معركة جرود عرسال والقاع، فإن القوى الإسلامية، على اختلاف تنوعاتها، معنية أيضاً بإعادة دراسة كل تطورات المرحلة الماضية وإجراء مراجعة شاملة حول دورها ورؤيتها وخطابها، كي تستطيع ان تساهم مساهمة فاعلة وجدية في منع عودة التنظيمات المتطرفة الى المناطق اللبنانية.
فمن المعروف ان بعض القوى الإسلامية ساهمت بشكل جماعي أو من خلال أفرادها ومؤيديها في توفير البيئة المساعدة أو المسهِّلة لنشوء بعض التنظيمات المتطرفة، وذلك تحت حجج وأسباب متنوعة.
واليوم يجب ان يطرح سؤال أساسي ومركزي: ما هي جدوى كل المعارك والصراعات التي حصلت خلال السنوات الماضية في دول المنطقة، وكان لبنان ممراً ومقراً لبعض المجموعات الإسلامية التي شاركت في هذه الصراعات؟ وقد تجيب بعض هذه القوى: ان هذا الصراع فُرض على شعوب هذه الدول من كل الأنظمة القمعية ومن يدعمها وانه لم يكن هناك خيار سوى المشاركة في هذا الصراع أو دعم شعوب هذه الدول في مواجهة أنظمتها.
لكن بالمقابل فإن نتائج هذه الصراعات لم تكن لمصلحة شعوب المنطقة ولم تحقق الأهداف التي رفعت، إن على صعيد مواجهة الظلم أو اقامة الدولة الإسلامية، أو نصرة الشعوب المستضعفة، بل ان نتائج هذه الصراعات كانت خطيرة ومرعبة وأدت إلى تدمير هذه الدول وتهجير أبنائها وازدياد المظالم وكل أشكال الفقر والمعاناة.
إذن نحن أمام مرحلة جديدة بدأت بالظهور في لبنان ودول المنطقة، ويبدو ان دور التنظيمات المتطرفة سائر نحو الانحسار دون ان يعني ذلك نهاية هذه التنظيمات بشكل كامل، بل ستظل مخاطرها قائمة في لبنان ودول المنطقة، لكن بالمقابل فإن كل القوى والحركات الإسلامية ستكون معنية بإعادة تفعيل دورها ونشاطاتها، ان لتأكيدُ رفضها لكل أشكال الإرهاب والعنف الداخلي، أو لجهة اعادة تقييم المعركة ضد الظلم وطرح رؤى سياسية جديدة في هذا الإطار.
وبالمقابل فإن حزب الله وحلفاءه معنيون أيضاً بإعادة تقويم المرحلة الماضية، وعدم الرهان على حسم المعركة على الصعيد العسكري، لأن الأسباب التي أدت لبروز التطرف لا تزال قائمة، وهذا يتطلب تكثيف الحوار بين الحزب وبقية القوى والحركات الإسلامية من أجل الوصول إلى حلول لأزمات المنطقة وتصحيح الأوضاع السياسية التي مهدَّت لبروز التطرف.
وفي الختام فإن المعركة ضد التنظيمات المتطرفة لن تنتهي بتحرير جرود عرسال أو جرود القاع، بل هي معركة متواصلة فكرياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً، وجميع الجهات معنية بالبحث في كيفية استكمال هذه المعركة ومنع عودة هذه التنظيمات مرة أخرى الى لبنان أو سائر دول المنطقة.}