العدد 1413 / 13-5-2020

تواكب مؤسسات المجتمع المدني النقاش الذي اطلقته الحكومة اللبنانية حول الخطة الإقتصادية والمالية والقرار بالحوار والإستعانة بصندوق النقد الدولي لمعالجة الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية، وتدور نقاشات وحوارات ساخنة بين مختلف هذه المؤسسات والهيئات وكيفية مواكبتها لعمل الحكومة ، وتنقسم الأراء بين عدة إتجاهات ، فمنها من يريد إعطاء الحكومة الفرصة للتغيير مع دعم خطوات الإصلاح ومكافحة الفساد ، ورأي أخر يرفض الخطة بالمطلق ويعتبر إنها ستدفع البلاد الى الإنهيار ويدعو لتغيير هذه الخطة كلية ويرفض اللجوء لصندوق النقد الدولي، في حين أن هناك اراء تعتبر أن الازمة في النظام السياسي والمالي القائم وتدعو لتغيير هذا النظام بالكامل وإلغاء الطائفية، في حين أن هناك مجموعات قليلة لا تزال تؤمن بالعنف الثوري لمواجهة الأزمة القائمة.

فماذا يدور في نقاشات وحوارات مؤسسات المجتمع المدني من افكار واقتراحات؟ وما هي الخيارات المتوقعة مستقبلا؟

النقاش والحوار داخل مؤسسات المجتمع المدني

منذ أن اطلقت الحكومة اللبنانية خطتها الاخيرة والنقاشات والحوارات مستمرة بين العديد من مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والابحاث وعلى صعيد الخبراء والمختصين والناشطين في الحراكات الشعبية المتنوعة ، وقد عقدت اجتماعات عديدة بين هؤلاء سواء بشكل مباشر رغم تداعيات ازمة كورونا واجراءات الحجر المنزلية، او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والالكتروني ، كما نشرت عشرات الدراسات والابحاث عبر المواقع الالكترونية ومجموعات الواتساب والفايس بوك ، وتتلخص هذه الاراء بما يلي :

اولا : وجهة النظر الاولى تعتبر ان هذه الخطة هي ناتجة عن طبيعة الظروف السياسية الداخلية والخارجية ونظرا للاوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة وفيها العديد من النقاط الايجابية ، وبالمقابل فيها بعض المخاطر والمخاوف والثغرات ، لكن ليس لنا أي خيار سوى القبول بها ودعم الحكومة في اجراءاتها والعمل لتعديل بعض بنودها من خلال الحوار المباشر مع المسؤولين والجهات السياسية والحزبية والنقابات والهيئات الاقتصادية المعنية، وهناك من يدعو لاقامة لقاءات حوارية مفتوحة حول الخطة واعداد ورقة عمل كاملة حولها لتقديمها للحكومة.

ثانيا : هناك رفض كامل للخطة والمطالبة بتعديلها كلية واللجوء الى اجراءات اخرى لمكافحة الفساد والهدر ورفض اللجوء الى صندوق النقد الدولي ، وبعض اصحاب هذه الوجهة يدعون للقيام باعتصامات وتحركات شعبية امام المؤسسات الدولية لرفض التجاوب مع طلب الحكومة قبل تغيير السياسات الداخلية والخارجية، وهناك من يعتبر ان لا فائدة من اية خطة الا بعد مواجهة حزب الله وانهاء الهيمنة الايرانية على لبنان كما يقولون.

ثالثا: هناك وجهة نظر تعتبر ان الازمة ليست اقتصادية فقط بل هي سياسية، وان المشكلة في النظام السياسي والطائفي ولذا يجب الدعوة لتغيير هذا النظام قبل اية خطة اقتصادية ومالية.

رابعا : اما وجهة النظر الاخطر فهي التي لا تزال تتبنى نظرية العنف الثوري وتدعو لممارسة العنف ضد المصارف والهيئات المالية وكل المسؤولين عن هذه الازمة وان لا خيار الا بالعنف او اللجوء الى انقلاب يطيح بالطبقة الحاكمة، وقد قامت بعض هذه المجموعات بتنفيذ اعمال عنف في مختلف المناطق اللبنانية وتم اعتقال بعضها ، وهناك جهات تصدر بيانات في بعض المناطق والتي تدعو للضغط على اصحاب رؤوس الاموال والمنتفعين من الفساد لدفع ما يتوجب عليهم من مساعدات.

الخيارات المستقبلية

لكن اية خيارات او اجراءات مستقبلية يمكن ان تلجأ اليها مؤسسات المجتمع المدني؟ وهل ستتجاوب الحكومة مع الدعوات للحوار حول الخطة؟ ام ان خيار العنف والثورة سيعود مجددا لاسقاط النظام والضغط على العهد والحكومة؟

رغم الخلافات حول وجهات النظر من خطة الحكومة المالية والاقتصادية ، فقد بدأت بعض مؤسسات المجتمع المدني وعدد من مراكز الدراسات والابحاث والخبراء المختصين والاحزاب غير الممثلة بالحكومة تقديم ملاحظاتها حول الخطة وعقد ورش عمل متنوعة، وهذا الاتجاه يشكل خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح ، وان كان الاهم ان تعمد الحكومة للاستماع الى وجهات النظر المختلفة والحوار مع كل الجهات المعنية لتطوير الخطة والعمل لتحصينها.

وتعتبر مصادر مشاركة في هذه اللقاءات والحوارات : انه لم يعد بالامكان العودة الى الوراء وان على الجميع ان يتعاطوا بإجابية مع الحكومة والخطة وان ينطلقوا من النقاط الايجابية التي تتضمنها وتطوير النقاط السلبية، وان ما يجري في لبنان اليوم هو حصيلة للاوضاع السياسية الداخلية والخارجية، والوضع اللبناني مرتبط بالاوضاع الاقليمية والدولية، وعلى الجميع ان يتعاطى بواقعية مع التطورات المختلفة ويبتعدوا عن الافكار الثورية او الجذرية لان للبنان وضع خاص والتغيير لا يتم الا بشكل تدريجي.

وتضيف هذه المصادر : ان اللجوء الى العنف او طرح شعارات غير واقعية كتغيير النظام اليوم ، او تحميل جهة معينة المسؤولية ، كل ذلك لا يفيد بل سيؤدي لنتائج سلبية ولن يحقق اية نتيجة ، والعمل الاهم اليوم دعم اية خطوة اصلاحية تقوم بها الحكومة او المجلس النيابي ووضع خريطة عمل محددة من اجل تحقيق الاصلاح الشامل ، وان تطبيق وتطوير قوانين مكافحة الفساد والدعوة لتطبيق وتحقيق استقلالية القضاء هو الاولوية، ولاحقا يمكن البدء بنقاش حول قانون انتخابي جديد وكيفية العمل لاستكمال تطبيق اتفاق الطائف وهذا هو الطريق الاسلم للتغيير ومعالجة الازمة القائمة.

وتختم هذه المصادر بالقول : علينا الاستفادة من كل التجارب الماضية للاصلاح والتغيير وخصوصا تجربة الحركة الوطنية والاحزاب الوطنية، وان ندرك ان الحروب والصراعات والعنف الثوري لا تؤدي الى اية نتيجة وان الحوار هو الطريق الوحيد للاصلاح من خلال التعاون بين جميع القوى والجهات والهيئات المعنية بالاصلاح ومكافحة الفساد والتغيير الحقيقي.

قاسم قصير