العدد 1512 /18-5-2022

أوصلت الانتخابات النيابية في لبنان إلى البرلمان وجوهاً تغييرية برزت في انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وفي ساحات الحراك، ليتمكن 16 مرشحاً ضمن المجموعات التغييرية من حصد مقاعد برلمانية، محدثين خروقات في معاقل حزبية، مُسقطين زعامات متجذرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

هذه الشخصيات هي: فراس حمدان، ميشال الدويهي، إبراهيم منيمنة، الياس جرادة، حليمة القعقور، نجاة عون، مارك ضو، ياسين ياسين، وضاح الصادق، رامي فنج، ملحم خلف، سينتيا زرازير، بولا يعقوبيان. ويضاف إليهم أسامة سعد، وعبد الرحمن البزري اللذان أيضاً نجحا بالوصول إلى البرلمان من خارج الاصطفافات السياسية، وشربل مسعد الذي ترشح معهما على لائحة "ننتخب للتغيير".

يقول ياسين ياسين، الذي فاز عن المقعد السُنّي في دائرة البقاع الثانية (البقاع الغربي-راشيا) ضمن لائحة "سهلنا والجبل"، إنّ هناك عوامل كثيرة ساهمت في فوزه، أهمها احتكاكه مع الناس، ورهانه على صدقهم وعدم سعيه إلى استغلال مؤسساته للضغط والدفع باتجاه التصويت له.

مع العلم أن فوزه قاد إلى خسارة نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي كان مرشحاً عن مقعد الروم الأرثوذكس لمقعده بسبب عجز لائحته عن تأمين حاصل إضافي رغم كل الضغوط التي تمت ومحاولات التلاعب بالأصوات لصالحه.

ويلفت ياسين، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه أجرى 1300 لقاء خلال 45 يوماً، تواصل خلالها مع المواطنين وأبناء المنطقة، مضيفاً "أكدت لهم أن انتصارنا سيكون دليلاً أساسياً على أن بيوت السياسيين من كرتون يمكن هدمها متى شئنا".

ويشدد ياسين على أن أولى الخطوات التي على النواب التغييريين القيام بها هي التوحّد معاً، فالعدد الذي فاز في هذه الدورة بعد مشوار طويل من التحركات والنضال والصمود يعدّ إنجازاً ومن شأنه أن يحدث تغييراً داخل البرلمان.

ويلفت إلى أنه على الصعيد الشخصي سيكون لديه موقف ثابت ولن ينجر وراء التجاذبات أو النكايات، وهمّه الأساسي المشروع الذي من شأنه أن يعبّد طريق الاستقرار ويضمن حياة تليق باللبنانيين.

من جهته، يقول علي مراد، الأستاذ الجامعي الذي كان مرشحاً عن المقعد الشيعي في دائرة الجنوب الثالثة ضمن لائحة "معاً نحو التغيير" التي نجحت بإيصال فراس حمدان والياس جرادة، إن من أبرز أسباب الخرق، توق الناس للتغيير خصوصاً في الجنوب. ويضيف مراد إلى ذلك، النجاح بتشكيل لائحة موحّدة من المجموعات التغييرية، والموقف السياسي الواضح من مختلف القضايا والذي لمس هموم الناس ويومياتهم ولم ينزلق إلى أساليب السلطة وخطاباتها.

ويرى مراد في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "نجاحنا في التواصل مع الناس واختيار الأشخاص المناسبين في اللائحة كان لهما دور أساسي في رفع الحاصل الانتخابي والنجاح في إحداث خرق تاريخي، وهو ما تجلى في دوائر انتخابية شهدنا فيها كسر احتكار تمثيل سياسي عمره ثلاثون عاماً".

ومن الأسباب التي ساهمت في الخرق، يشير مراد إلى اختيار أحزاب السلطة مرشحين مستفزين للناس أمثال مروان خير الدين. ويؤكد مراد أن المسؤولية اليوم باتت أكبر على القوى التغييرية، فالثقة التي أعطِيَت لهم ليست مطلقة، بل مشروطة، وعلى النواب التغييريين أن يقدّموا تجربة نيابية مختلفة، لأن الناس ستحاسبهم في الدورات اللاحقة، وعليهم ألا يخيّبوا آمال الناس التي رأت فيهم الأمل بوطن أفضل وأن التغيير ممكن من خلالهم.

ويرى مراد أن العدد الذي حازت عليه القوى التغييرية ليس بقليل وقادر على تحقيق الكثير، لافتاً إلى أن نسب التلاقي بين المجموعات مرتفعة جداً ولو حصلت تباينات في المواقف والأفكار فهذا يبقى ضمن الهامش الديمقراطي شرط أن تكون متفقة على القضايا الأساسية الكبرى.

تشريعياً، يقول الخبير الدستوري سعيد مالك لـ"العربي الجديد"، إن عدد 15 نائباً قادر على تأدية دور كبير داخل البرلمان، وهناك صلاحية أساسية يمكن لكل مجموعة تتجاوز العشرة نواب أن تقوم بها وهي الطعن بأي قانون يمكن أن يصدر ويكون مخالفاً للدستور.

ويرى مالك أن هؤلاء النواب بيدهم إنجاز الكثير وتحقيق تقدّم على صعيد إنقاذ لبنان ومحاربة الفساد في حال تعاونوا معاً ومع باقي الكتل السيادية التي تحارب الفساد وتهدف إلى الشفافية، ولهم أن يشكلوا أكثرية في مجلس النواب وعندها يمكنهم تحرير القرار اللبناني وإضفاء مزيد من الشفافية على الإدارة.

بدوره، يتوقف منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" المحامي جاد طعمة، عند أهمية وجود 15 نائباً لإعطاء نَفَس جديد للبرلمان. ويشدد في تصريح لـ"العربي الجديد" على قدرة النواب الـ15 على الطعن أمام المجلس الدستوري بالقوانين التي يعتريها عيب دستوري، مشيراً إلى أن هناك العديد من القوانين المخالفة للدستور ولم يُطعن بها نتيجة المحاصصة بين أعضاء المجلس والسلطة السياسية.

ويتوقف طعمة عند أهمية انضواء هؤلاء النواب في اللجان النيابية ليقفوا بوجه كلّ مشروع يستهدف الناس، وكلّ مساومة أو محاصصة أو صفقات تسعى السلطة السياسية لتمريرها على حساب الشعب اللبناني، والأهم أن يعملوا على محاسبة الحكومة، مشيراً إلى أن العمل البرلماني في لبنان يفتقر إلى دوره الأساسي وهو المحاسبة والمراقبة.

في المقابل، لا ينكر أن اللعبة الديمقراطية مرتبطة بالنصاب وحسابات الأكثرية والأغلبية، من هنا أهمية التقاء قوى التغيير مع قوى المعارضة الحقيقية لتأليف كتلة وازنة وخلق حالة تغييرية على مستوى كلّ لبنان.