العدد 1331 / 3-10-2018

بقلم : وائل نجم

خلال الأيام الماضية تصاعدت التهديدات والتحذيرات الإسرائيلية للبنان وحزب الله بصورة غير مسبوقة . فقد اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتهم حزب الله، بتطوير وتخزين صواريخ دقيقة تطال معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة قرب مطار بيروت الدولي , في حي الأوزاعي الملاصق للمطار، وزعم نتنياهو من خلال صور جوية نشرها للمطار ومحيطه، أن الحزب يطوّر هذه الصواريخ حتى تصبح أكثر دقّة في ثلاثة مواقع قريبة، بل متاخمة لمدرج المطار. كما ذهب الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفخاي أدرعي، إلى نشر صور وأخبار مماثلة لما نشره نتنياهو، متهماً الحكومة اللبنانية بالإنصياع لإرادة الحزب، والتماهي معه و"التضحية" بحياة اللبنانيين ومستقبلهم.

الحكومة اللبنانية، بل في الحقيقة وزارة الخارجية، لأن الحكومة في حالة تصريف أعمال، ردّت باستدعاء سفراء الدول الغربية والعربية في بيروت إلى مقر وزارة الخارجية، ومن ثم القيام بجولة ميدانية بحماية ورعاية الجيش اللبناني إلى أحد المواقع المذكورة وفق المزاعم الإسرائيلية، وهو ملعب العهد الملاصق لمدرج المطار، والإطلاع هناك عن كثب وبالعين المجردة على محتويات المكان الذي بدا خالياً من أية صواريخ أو حتى مواد عسكرية. والهدف من الجولة كما أشار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، هو دحض المزاعم الإسرائيلية.

والحقيقة أن أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، أكد قبل أسابيع أن حزبه يمتلك منظومة صواريخ دقيقة ومطوّرة وبإمكانها أن تصيب أية موقع داخل فلسطين المحتلة، إلا أنه لم يكشف عن المكان الذي يخزّن فيه الحزب تلك الصواريخ، وهدّد بأن أي اعتداء إسرائيلي على لبنان أو على سورية سيواجه بردّ قاسٍ من حزبه، بما يملك من إمكانيات وفق احتياجات المعركة.

على هذا الأساس، لا يبدو أن هناك جديداً في الخبر الإسرائيلي سوى تحديد مكان تخزين وتطوير تلك الصواريخ، أما بقية التفاصيل الأخرى فيبدو أنها محل اتفاق بين الطرفين من خلال تصريحاتهما وتهديداتهما. فلماذا عمد الإسرائيلي إلى هذا الإعلان، بل هذه الحملة الإعلامية النفسية المنظمة على تلك الصواريخ، ومن على منبر الأمم المتحدة؟!

في بيروت تفسيران لهذه الحملة الإسرائيلية الإعلامية النفسية.

التفسير الأول يذهب إلى القول إن التصريحات الإسرائيلية المتواصلة حول مسألة الصواريخ تأتي في إطار الحرب النفسية المستمرة على حزب الله وجمهوره، وعلى اللبنانيين أيضاً، للإبقاء على الحزب في حالة عزلة في لبنان. ولذلك تم اختيار محيط المطار، وهو بالمناسبة المدخل الجنوبي للعاصمة، والخاصرة القريبة جداً منها، مع ما يعنيه ذلك من رسالة تهديد مباشرة باستهداف أهم مرفق حيوي للبنان يمكن أن يؤدي إلى عزله بالكامل عن العالم، وكذلك من ضغط نفسي على سكان العاصمة وبقية لبنان. ولا تذهب هذه القراءة إلى الاعتقاد بفتح حرب جديدة على الحزب في هذه المرحلة، لأن "إسرائيل" لو أرادت ذلك فعلاً لما كشفت عمّا تعتقد أنها مخازن ومصانع للصواريخ المطوّرة، بل كانت أخفت تلك المعلومات، وجعلت تلك المواقع في رأس أهدافها في أية حرب مقبلة, وإن كانت هذه القراءة لا تستبعد بشكل قاطع أية نوايا إسرائيلية بشنّ حرب جديدة على حزب الله في لبنان.

أما التفسير الآخر فيذهب إلى الاعتقاد أن نتنياهو اختار منبر الأمم المتحدة للتصعيد ضد حزب الله في محاولة منه لوضع لبنان وحزب الله تحت الضغط الدولي، وفي مواجهة المجتمع الدولي، حيث حاول نتنياهو أن يجعل من هذه القضية مسألة دولية وتحدٍّ لكل المجتمع الدولي، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه خلال الأسابيع المقبلة إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران، كداعم رئيسي لحزب الله، وعلى الحزب ذاته، وربما تكون هذه الحملة الإسرائيلية جزءاً من تحضير المجتمع الدولي والعالم لحرب جديدة تشنّها "إسرائيل" على حزب الله في لبنان أو سورية من ضمن المحاولات لتحجيم الدور الإيراني في المنطقة، ويرى البعض أن الفرصة، بالنسبة للكيان الإسرائيلي، مؤاتية في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى في ظل تواجد، الرئيس دونالد ترامب على كرسي الحكم في البيت الأبيض في الولايات المتحدة.

سواء كانت هذه القراءاة أو تلك هي الصائبة، فإن التهديدات جدّية، والصواريخ حاضرة في أي معركة قادمة. الشيء الوحيد الغائب هو الحكومة اللبنانية التي يمكن أن تواكب أي حرب جديدة بالموقف المناسب.