العدد 1522 /3-8-2022
قاسم قصير


رغم انشغال المسؤولين الاميركيين والاوروبيين بالعديد من الملفات الدولية والاقليمية ولا سيما تداعيات الحرب في اوكرانيا والملف النووي الايراني واوضاع المنطقة، فان الاوضاع اللبنانية لا تزال تشكل محور الاهتمام الاميركي – الاوروبي في هذه المرحلة ، وتجلى ذلك من خلال عودة المبعوث الاميركي المختص بشؤون الغاز والنفط آموس هوكستاين الى لبنان والمنطقة، وكذلك قيام العديد من الوفود الاميركية والاوروبية للاطلاع على الاوضاع اللبنانية وتقديم بعض المساعدات الانسانية ، اضافة الى كون لبنان كان احد محاور اهتمام زيارة ولي العهد السعودي الى فرنسا ، ومتابعة السفارة الاميركية والبعثات الدبلوماسية الاوروبية المستمرة للوضع اللبناني.

ابرز الاهتمامات الاميركية الاوروبية في لبنان

بداية ما هي ابرز الملفات اللبنانية التي يركز عليها الاميركيون والاوروبيون في لبنان حاليا ؟

من خلال متابعة الزيارة التي قام بها المبعوث الاميركي آموس هوكستاين الى لبنان والمنطقة لمتابعة ملف الترسيم البحري ، فان هذا الملف الهام يعتبر الاولوية لدى الاميركيين والاوروبيين ، نظرا لاهمية استخراج الغاز والنفط من منطقة البحر المتوسط في ظل استمرار الحرب في اوكرانيا ، وفي ظل المخاوف الاميركية والاوروبية من تدهور الاوضاع في جنوب لبنان بعد التهديدات التي أطلقها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بشن هجوم على منصات التنقيب الاسرائيلية في البحر في حال لم يتم التوصل الى حلول لملف الترسيم البحري .

ويبدي الدبلوماسيون الاميركيون والاوروبيون والدوليون في بيروت اهتماما كبيرا بهذا الملف ويتابعون تفاصيل تهديدات حزب الله وما يقوم به من اجراءات ميدانية في الجنوب والاحتمالات المتوقعة في المرحلة المقبلة.

ويضاف الى هذا الملف الهام ملفين اساسين يركز عليهم الاميركيون والاوروبيون وهما ملف الاصلاح والاتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي ، اضافة لملف الانتخابات الرئاسية في ظل تعثر تشكيل الحكومة الجديدة والخوف من حصول فراغ رئاسي ودستوري في حال لم يتم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد وعدم تشكيل الحكومة ، وقد اشارت مصادر اعلامية ودبلوماسية في بيروت الى ان ملف الانتخابات الرئاسية كان احد محاور البحث بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارة بن سلمان الاخيرة لفرنسا ، وانه جرى طرح بعض الاسماء المقترحة للرئاسة اللبنانية لكن لم يتم التوصل الى اي اتفاق في هذا الاطار.

كما انه خلال زيارة وفد من اللوبي الاميركي – اللبناني مؤخرا الى لبنان فان هذا الوفد اجرى لقاءات عديدة مع الشخصيات والاحزاب اللبنانية ومع قائد الجيش العماد جوزيف عون والسفيرة الاميركية دروثي شيا والسفير السعودي وليد البخاري وكان محور البحث الاصلاح السياسي والاقتصادي والانتخابات الرئاسية ودعم الجيش اللبناني والاجهزة الامنية ، وقد حاول الوفد التأكيد على اهمية توحيد قوى المعارضة اللبنانية للتفاهم على انتخاب رئيس جديد للبنان لكنه لم يعرف ما هي النتائج التي تم التوصل اليها في ظل الخلاف بين قوى المعارضة حتى الان في مقاربة الملف الرئاسي والاوضاع الداخلية.

مستقبل لبنان من منظور اميركي – اوروبي

لكن كيف تنظر الاوساط الاميركية والاوروبية لمستقبل لبنان في المرحلة المقبلة؟

من خلال متابعة التحركات الاميركية في لبنان والتواصل مع عدد من الدبلوماسيين الاوروبيين في بيروت يلحظ المراقب : ان الاوساط الاميركية والاوروبية تشعر بقلق كبير حول مستقبل لبنان في المرحلة المقبلة في ظل عدم وضوح الرؤية والمخاوف من تدهور الاوضاع الداخلية بسبب الازمة الاقتصادية والمعيشية وعدم تشكيل حكومة جديدة وعدم انتخاب رئيس جديد للبنان ، ويضاف الى ذلك تداعيات ملف الترسيم البحري والخوف من تدهور الاوضاع نحو مواجهة جديدة بين حزب الله والجيش الاسرائيلي مما يدخل لبنان والمنطقة في مرحلة خطيرة .

وتتحرك الاوساط الاميركية والاوروبية وبعض الجهات الدولية في عدة اتجاهات ومنها السعي للاستمرار في تقديم المساعدات الانسانية والامنية للبنان لمنع الانهيار الشامل ، والتشجيع على عقد حوارات لبنانية – لبنانية للتوصل الى تفاهمات حول مستقبل لبنان وانتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية المحددة منعا لحصول فراغ رئاسي ودستوري .

ورغم ان بعض الاوساط الاميركية والاوروبية اصبحت مقتنعة بانه لا مجال للحلول الترقيعية للوضع اللبناني وان هناك حاجة كبيرة لاجراء اصلاح سياسي واقتصادي ومالي شامل ، فان هذه الاوساط لا تملك حاليا رؤية واضحة وشاملة في هذا الاطار ، في حين ان هناك خلافات في وجهات النظر لدى الاوساط الاميركية المهتمة بالشأن اللبناني ، فهناك اتجاه يدعو الى دعم خيار الاصلاح ودعم الجيش اللبناني والعمل لانتخاب رئيس جديد يحمل مشروعا اصلاحيا ، فان هناك مجموعات اميركية – لبنانية تتبنى الدعوة لاتخاذ اجراءات مشددة ضد لبنان وحزب الله وصولا الى تبني مشروع تقسيم لبنان واقامة منطقة محررة من حزب الله ومدعومة من الجهات الدولية، رغم ان هذا الطرح غير واقعي ولا يمكن تطبيقه.

وفي الخلاصة فان لبنان لا يزال حاضرا على أجندة الاهتمام الاميركي – الاوروبي من أبواب مختلفة ولكن الاميركيين والاوروبيين لا يملكون حلا سحريا للازمة اللبنانية وهم ينتظرون ماذا سيفعل اللبنانيون في الاسابيع المقبلة كي يحددوا مواقفهم النهائية.

قاسم قصير