بسام غنوم

موضوع الساعة هو الاستحقاق الرئاسي، ويبدو أن هذا الاستحقاق، رغم تداوله على كل المستويات السياسية والدبلوماسية، ما زال بعيد المنال أو مؤجلاً حتى إشعار آخر.
آخر المستجدات في هذا الإطار ما جرى تداوله خلال الأسبوع الأول من شهر آب الجاري من معلومات عن قرب التوصل الى تسوية سياسية تسمح بوصول العماد عون إلى قصر بعبدا.
وهذه التسوية كانت تعتمد على قيام تفاهم بين عون والرئيس سعد الحريري، وتحدثت المعلومات عن التوصل إلى تفاهمات سياسية بخصوص الانتخابات الرئاسية، ورئاسة الحكومة، وحتى قانون الانتخاب عبر اللقاءات التي كان يعقدها الوزير جبران باسيل مع نادر الحريري، إلا انه بقدرة قادر، وبعد خطاب السيد حسن نصر الله في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006 الذي تحدث فيه عن إمكانية إبداء مرونة في ما يتعلق برئاسة الحكومة، انقلبت الأمور رأساً على عقب وتبخرت كل الأجواء الايجابية التي كانت سائدة في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وتحدثت بعض الأوساط السياسية والإعلامية عن أن الرئيس سعد الحريري انقلب مرة أخرى على تفاهماته مع العماد عون، وان الأمور عادت إلى النقطة الصفر بفعل الضغوط الداخلية في تيار المستقبل على الرئيس سعد الحريري، ولا سيما من قبل الرئيس فؤاد السنيورة وأكثرية نواب كتلة المستقبل النيابية، وأيضاً من قبل المملكة العربية السعودية التي تخوض معركة أو بالأحرى معارك مفتوحة مع إيران على امتداد الإقليم من اليمن إلى سوريا، مروراً بالعراق والبحرين.
فما حقيقة الحوار بين العماد عون وتيار المستتقبل، وهل الاستحقاق الرئاسي معلق على التفاهم بين عون وسعد الحريري؟
قيل الكثير عن الحوارات التي كان يجريها الوزير جبران باسيل مع نادر الحريري بشأن التفاهمات السياسية الممكنة التي تسمح بوصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، في مقابل ضمان وصول سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وإعطائه الفرصة كاملة لممارسة صلاحياته الدستورية وموافقة حزب الله على ذلك.
هذه النقطة تحديداً تعززت بالموقف الذي أعلنه السيد حسن نصر الله في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006، حيث أعلن إمكانية إبداء مرونة في ما يتعلق برئاسة الحكومة، وهو ما اعتبره البعض مبادرة من حزب الله تجاه سعد الحريري وتيار المستقبل من أجل حل أزمة الاستحقاق الرئاسي.
إلا أن ردّ فعل تيار المستقبل على كلام السيد حسن نصر الله كان عنيفاً، وقد عبّر عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق بالقول: «صحيح أن خياراتنا محدودة لكن خياراتنا بيدنا نستطيع التحكم بها على الرغم من كل ما تسمعونه من مشاكل، وعلى الرغم من كل ما تشاهدونه من استعراضات القوة». وأضاف الوزير المشنوق موجهاً كلامه الى حزب الله بعد حديث أحد قياديي ما يسمى «سرايا المقاومة» عن أن هذه السرايا موجودة على امتداد الساحة اللبنانية، وان عديدها يقارب خمسين ألفاً، وهو ما اعتبره «تيار المستقبل» تهديداً مباشراً من «حزب الله» لتيار المستقبل ولعامة اللبنانيين في حال عدم الاستجابة لمطالب «حزب الله» السياسية، وخصوصاً في ما يتعلق بانتخاب عون لرئاسة الجمهورية، فقال: «ما يسمونها سرايا المقاومة، وكنا نسميها سرايا الفتنة، باتت سرايا احتلال»، وتابع قائلاً إنه «مهما كان نوع هذا السلاح، ما دام أنه مطلوب توقيعنا، فلن نوقع، نحن كأهل وكمجموعة مسلمين.. ولن نقبل أن يتحول هذا الاحتلال إلى احتلال لبناني، بل سنقاومه بكل الطرق والوسائل السلمية والسياسية».
ورد المشنوق على ما سمي مبادرة نصر الله الحكومية، بأن له وجهين: الأول سياسي وعبر الوزير المشنوق، الذي يعتبر من الداعين إلى التفاهم مع حزب الله، وهو يعني رفضاً مطلقاً لمبادرة نصر الله لأنها من وجهة نظر «تيار المستقبل» بمثابة فرض وصاية سياسية على موقع رئاسة الحكومة، والثاني أمني وشعبي، بتأكيد رفض تهديدات ما يسمى «سرايا المقاومة» مهما كانت الضغوط، وان الساحة الإسلامية كفيلة بحماية خيارات «تيار المستقبل» في وجه تهديدات «سرايا الاحتلال» كما قال الوزير المشنوق.
لذلك لم يكن غريباً ان يعود العماد عون و«التيار الوطني الحر» الى التصعيد السياسي، سواء عبر الحكومة برفض التعيينات الأمنية، والتهديد بالقيام بخطوات تصعيدية لشل عمل الحكومة إذا ما حصل التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي في شهر أيلول المقبل.
وتعتقد بعض الأوساط السياسية ان عودة لغة التصعيد العونية مرتبطة أولاً بفشل الحوار مع تيار المستقبل بخصوص الموافقة على انتخاب العماد عون لرئاسة الجمهورية، وعلى صلة ثانياً بالتطورات الجارية في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، حيث كان العماد عون و«حزب الله» يعتقدان أن التطورات العسكرية في حلب ستؤدي إلى تغيير في موقف تيار المستقبل والسعودية من انتخاب عون لرئاسة الجمهورية، وان عرض نصر الله إبداء المرونة بالنسبة إلى موقع رئاسة الحكومة فرصة لا تعوض لتدارك الخسائر في لبنان وسوريا.
إلا ان التطورات العسكرية في حلب، التي أعادت رسم خريطة المعارك على الأرض مجدداً، وأظهرت حجم الاشتباك الدولي، أو بالأحرى لعبة الأمم الجارية في سوريا والمنطقة، أعادت الجميع في لبنان كل إلى موقعه الأول حيث لا حل سياسياً قبل حل أزمات المنطقة، وبالتالي عادت الأمور الى النقطة الصفر في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي وغيره بكل ما في الكلمة من معنى.
باختصار، لبنان يدور في حلقة مفرغة، والخروج منها غير ممكن قبل إطفاء الحريق الإقليمي المشتعل في المنطقة.