العدد 1406 / 25-3-2020

بعد مرور شهر على اكتشاف اول اصابة بفيروس كورونا في لبنان تغيرت الاولويات السياسية والاقتصادية والاعلامية، واصبح الامن الاجتماعي والاقتصادي الاولوية الاولى لدى السلطة اللبنانية وكافة اللبنانيين ، خصوصا بعد الدعوة للتعبئة العامة ومنع التجول الذاتي والاجراءات المشددة لاقفال المؤسسات العامة والمطاعم والمحلات والاسواق.

ورغم تفاعل قضية اطلاق العميل عامر الفاخوري والاستمرار في بحث الامور المالية ومعالجة اوضاع المصارف وعلاقتها بالزبائن ، فان الاهتمام الاساسي اصبح يتعلق في كيفية تأمين حاجات الناس الاساسية وتقديم المساعدات للمحتاجين وخصوصا من فقدوا وظائفهم او اقفلوا مؤسساتهم.

فكيف تتعاطى السلطات اللبنانية مع هذه الاولويات؟ واين دور مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب والقوى السياسية لمواجهة تداعيات انتشار هذا الفيروس القاتل؟

دور السلطات اللبنانية

بداية ماهو دور السلطات اللبنانية على صعيد الامن الاجتماعي والاقتصادي؟

لقد ادت الاجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية لمواجهة انتشار فيروس كورونا الى اقفال عشرات الاف المؤسسات الانتاجية والمدارس والجامعات والمطاعم والفنادق والاسواق والمؤسسات العامة، وكل ذلك انعكس ذلك سلبا على الاوضاع المعيشية وتراجع الانتاج وبقاء مئات الالاف من العمال والموظفين في منازلهم ، وزاد الفقر والجوع في العديد من المناطق اللبنانية، خصوصا وان انتشار هذا الفيروس تزامن مع ازمة مالية واقتصادية واجتماعية يعاني منها اللبنانيون اساسا.

على ضوء هذه المخاطر والمشكلات بدأت السلطات اللبنانية ومصرف لبنان اتخاذ بعض الاجراءات لتأمين المساعدات للمواطنين ، واعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن بدء برنامج سريع لايصال المساعدات للمحتاجين الى منازلهم بالتعاون مع البلديات والجيش اللبناني،ونفذت وزارة الصحة والمؤسسات الصحية وخصوصا مستشفى الرئيس رفيق الحريري والصليب الاحمر اللبناني والعديد من المستشفيات والهيئات الصحية في مختلف المناطق اجراءات خاصة لاستيعاب المصابين ومعالجتهم، كما جرى صرف المخصصات المالية للبلديات لمساعدتها في القيام بمسؤولياتها تجاه المواطنين ومواجهة اثار انتشار الفيروس وتداعياته، كما اصدر مصرف لبنان قرارا باعطاء القروض المالية للشركات والمؤسسات بصفر فائدة من اجل دفع الاجور والمستحقات للموظفين، وجرى تأجيل دفع فواتير الهواتف والكهرباء واعطاء تسهيلات للمواطنين، والبدء بالتعليم عن بعد سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي او عبر تلفزيون لبنان ، اضافة لحملات التوعية لمواجهة الفيروس ومنع انتشاره.

لقد ادى انتشار فيروس كورونا الى تراجع حدة السجالات السياسية والاعلامية ، بعد ان شهدنا في بداية الازمة بعض السجالات في البداية حول الاجراءات المطلوبة ومن يتحمل المسؤولية في انتشار الفيروس، واصبحت الاولوية اليوم كيفية مواجهة تداعيات الفيروس والتضامن الوطني بين الجميع للتعاون في مواجهة هذه الازمة الخطيرة والتي تطال لبنان والعالم اجمع.

دور الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني

لكن ماذا عن دور الاحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والبلديات؟

لقد كان ملفتا خلال الاسابيع الماضية الحيوية التي تميز بها المجتمع اللبناني على كافة المستويات في مواجهة اثار انتشار فيوس كورونا وتداعياته، ونشأت في كافة المناطق اللبنانية "خلايا ازمة " تتولى متابعة انتشار الفيروس والعمل لمواجهة تداعياته على الصعد الاجتماعية والصحية والاقتصادية والاعلامية والتربوية والامنية، فمعظم الاحزاب اللبنانية عمدت لاعلان الاستنفار في صفوفها وتشكيل اللجان والهيئات المختصة لمواجهة تداعيات هذه المرحلة الخطيرة، كما تولت البلديات ادارة الشؤون المحلية واصدار التوجيهات للمواطنين ، وعمدت المؤسسات والمرجعيات الدينية لاطلاق الفتاوى والتعليمات بشأن اقفال اماكن العبادة او وقف الصلوات الجماعية او اعادة النظر في كيفية القيام بالممارسات الدينية ، رغم انه في بعض الاحيان حصلت نقاشات داخل الاوساط الدينية في كيفية مواجهة هذا الفيروس لكن المنطق العقلاني والعلمي تغلب على بعض الاتجاهات الخرافية والمتشددة، كما عمدت معظم الهيئات النقابية ومؤسسات المجتمع المدني والوسائل الاعلامية على تنفيذ البرامج المتنوعة من اجل تأكيد التضامن والتكافل الاجتماعي والعمل لدعم التوعية ونشر الثقافة الصحية.

وبالاجمال يمكن القول ان التحدي الذي فرضه انتشار وباء كورونا في لبنان تحول الى فرصة مناسبة لاعلان التكافل الاجتماعي والانساني ، رغم انه في البداية حصلت بعض السجالات التي اتخذت طابعا طائفيا او مذهبيا او سياسيا، لكن تم تجاوز ذلك بشكل عام وتحول المجتمع اللبناني الى خلية عمل مشتركة ولو بدون تنسيق كامل لمواجهة اثار هذا الوباء القاتل.

لا يعني كل ذلك ان لبنان تجاوز التحدي والخوف من حصول كارثة كبرى كما حصل في بعض البلدان ، لكن ما جرى حتى الان يشكل رسالة ايجابية والمهم الاستمرار في متابعة كل هذه البرامج حتى يستطيع اللبنانيون ،كما كل العالم، لمواجهة هذا الخطر الكبير او هذه الحرب المجهولة كما سماها الكثيرون.

قاسم قصير