العدد 1388 / 27-11-2019

دخل الصراع القائم على السلطة في لبنان مرحلة جديدة مع دخول العامل الأمني على خط التحركات السياسية من أجل فرض أمر واقع على اللبنانيين لا ينسجم مع آمال ومطالب غالبية الشعب اللبناني بالتغيير واقامة الدولة العادلة .

فقد تحركت مجموعات امنية تابعة للثنائي الشيعي في منطقة الرينغ وقامت بافتعال اشتباكات مع مناصري الحراك الشعبي في منطقة الرينغ وهو ما ادى الى مواجهات وحصول اضرار كبيرة في ممتلكات المواطنين الآمنين . واللافت في هذه الاشتباكات التي قام بها انصار الثنائي الشيعي هو الشعارات المذهبية التي كانوا يرفعونها في مقابل شعار "كلن يعني كلن" الذي يرفعه مناصرو الحراك الشعبي .

لم يكتف مناصرو الثنائي الشيعي بما جرى ليل الأحد – الاثنين في منطقة الرينغ ، بل قاموا بعرضات مسلحلة في شوارع بيروت صاحبها اطلاق نار في منطقة الكولا لاستفزاز أهالي منطقة طريق الجديدة ، وسبق ذلك اعتصام حاشد لمناصري الثنائي الشيعي في منطقة المشرفية طالبوا فيه ﺑ "7 آيار جديد في بيروت" في اشارة الى ما جرى في بيروت في يوم 7 آيار 2008 حيث اجتاح عناصر أمل وحزب الله والحزب القومي السوري شوارع واحياء بيروت واعتدوا على الناس وحرقوا البيوت والمؤسسات وذلك من أجل فرض تسوية سياسية اثمرت اتفاقاﹰ على قانون انتخاب جديد للجمهورية وحكومة لبنانية جديدة وفق شروطهم ومطالبهم وذلك في 21 آيار في الدوحة وسمي هذا الاتفاق الذي رعته قطر "اتفاق الدوحة" .

فهل ما يجري في لبنان حالياﹰ من تحركات سياسية وأمنية من قبل التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي هو من أجل فرض تسوية سياسية جديدة شبيهة بما جرى في الدوحة وما بعدها ؟

في ضوء المتغيرات التي فرضها الحراك الشعبي من 17 تشرين الأول الماضي وحتى الآن على المستوى الوطني لناحية المطالبة بحكومة جديدة تعمل بشفافية من أجل مكافحة الفساد وانقاذ لبنان من الوضع الذي وصل اليه وكذلك سن قانون جديد للانتخابات يضمن تمثيلاﹰ حقيقياﹰ للشعب اللبناني ، وهي المطالب التي يطالب بها غالبية اللبنانيين الرافضين للاستمرار في سياسة المحاصصة وفرض الأمر الواقع بالترغيب والترهيب ، فان ما يقوم بها الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر سواء عبر الامساك بورقة الاستشارات النيابية او عبر التحركات الأمنية التي يقوم بها انصاره عللى الأرض لن تؤدي الى النتيجة التي يتوخاها كما جرى بعد 7 آيار 2008 وما تلاها من وضع يده على السلطة حتى الآن .

فالصراع السياسي الآن مختلف وهو ليس بين فريق 8 آذار وفريق 14 آذار ، لأن الجراك الشعبي الذي يرفع شعار "كلن يعني كلن" يرفض الفريقين ويعترهما مسؤولين بالتضامن والتكافل عن كل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون ، وبالتالي فان سياسة الترغيب والترهيب التي يتبعها الثنائي الشيعي لن تصل الى اية نتيجة .

وقد كشف الاحتفال المدني الذي اقيم في ساحة الشهداء بمناسبة ذكرى الاستقلال والذي اعتبره الجميع احتفالا غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث حجم التأييد والانتشار الشعبي الذي يحظى به الحراك القائم منذ 17 تشرين الاول الماضي ، حيث شارك في احتفال الاستقلال كل طبقات المجتمع اللبناني ابتداءاﹰ من الأطباء والمحامين والمهندسين واساتذة الجامعات والاساتذة والمعلمين وكذلك الأباء والأمهات ... الخ ، وهو ما اعطى صورة واضحة عن حجم امتداد الحراك الشعبي في مختلف طبقات المجتمع اللبناني واكد ايضاﹰ انصهار اللبنانيين في بوتقة وطنية واحدة بعيدة عن الانتحاءات الطائفية والمذهبية والحزبية ، ولعل ذلك هو ما أثار حفيظة الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر ودفعه الى تحريك مجموعاته على الارض عبر اثارة الشغب وايضاﹰ عبر الشعارات المذهبية في محاولة منه لاثارة الانقسامات الطائفية والمذهبية والسياسية بين اللبنانيين بما يكفل له السيطرة على الأمور ووضع اليد مجدداﹰ على اللعبة السياسية.

في ظل هذه المعطيات فان ما يقوم به الثنائي الشيعي يمثل لعبة خطيرة جداﹰ على أمن واستقرار لبنان ، وهو يرفض الاستماع الى مطالب اللبنانيين الرافضة لسياسة المحاصصة والفساد وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح ، والأخطر من ذلك كله انه يعتبر ما يطالب به غالبية الشعب اللبناني مؤامرة اميركية على المقاومة ، وهو ما سيؤدي الى زيادة معاناة اللبنانيين وخراب لبنان كما جرى في سوريا وكما يجري في العراق ولبنان .

باختصار ، فريق الثنائي الشيعي يرد لبنان تابعاﹰ لما يسمى "محور الممانعة" الذي دمر سوريا والعراق وأخذ الحرث والنسل ولوكان ذلك على حساب دماء اللبنانيين ومستقبل ابنائهم . فهل سينجح هذا الفريق في فرض ما يريده بقوة السلاح ؟

بسام غنوم