العدد 1346 / 23-1-2019

بقلم : سامح راشد

اختتمت القمة الاقتصادية العربية الرابعة اعمالها في بيروت، بعد أن انعقدت في بيئةٍ غير مواتيةٍ لبنانياً وعربياً. انقسام داخلي متزايد على خلفية تأخر تشكيل الحكومة الجديدة، وارتباك التوازنات الداخلية الهشّة بفعل التطورات الإقليمية.

وفي السياق العربي للقمة، تسود حالة غير مسبوقة من التباين والاختلافات بين الدول العربية، بما فيها الدول التي تجمعها تقليدياً علاقاتُ تحالفٍ وتعاون مستمر، حيث تتوافق فيما بينها حول بعض الملفات، وتختلف في أخرى، ما يجعل البيئة العربية غير منسجمة بشكل عام.

في هذا الوضع المرتبك ، راحت القمة الاقتصادية في بيروت ضحية أسبابٍ غير اقتصادية. لم يكن الفشل مقصوراً حصرياً على قمة بيروت وحدها، بل كان مصير كل القمم الاقتصادية السابقة، غير أن تلك السابقة لم تكن لتنجح أصلاً، في ظل تراجع أولوية التعاون الاقتصادي في أجندة الدول العربية. إضافة إلى تفضيل معظم الدول العربية اتباع المسار الثنائي في إدارة علاقاتها الاقتصادية، وتجنّب الاتفاقات الجماعية، والانخراط في مشروعات أو خطط تعاون اقتصادي حقيقي تحت مظلة جامعة الدول العربية. ما يجعل إخفاق القمم الاقتصادية السابقة، لأسباب "إدارية"، مجازاً.

وقد سبقت قمة بيروت محاولاتٌ حثيثةٌ لجعل القمة مقدمة أو "بروفة" لاستعادة دمشق مقعدها في جامعة الدول العربية. وكانت ذروة تلك المحاولات في دعوة وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، علنا إلى تفعيل عضوية سورية في الجامعة. وكشف تعارض التصريحات العربية الرسمية عن عمق التباين بشأن سورية، فبينما أعلن سفير سورية في لبنان أنه تلقى دعوة لحضور القمة واعتذر عن عدم قبولها، أكد مسؤول رفيع في الجامعة أن الدعوة لم توجّه إلى النظام السوري. وبالطبع، لم يكن الخلاف الخليجي بعيداً عن كواليس القمة ومجرياتها، سواء من زاوية العلاقة مع لبنان الذي يعتبره بعضهم في الخليج "لبنانين"، أو من زاوية الموقف من سورية ورفض تجيير القمة لصالح تيار معيّن في لبنان، ومن ورائه التحالف السوري الإيراني.

ثمّة تطورات مفاجئة سبقت القمة، ألقت ظلالا غائمة عليها، وانتقصت من فرص نجاحها قبل أن تنعقد. أهم تلك التطورات تلك الأزمة التي نشبت بين لبنان وليبيا، وتسبّبت في امتناع طرابلس الغرب عن المشاركة في القمة.

بالتدقيق في ما ومن وراء تلك الأزمة، يتضح أن حلفاء سورية ووكلاء إيران في لبنان فضلوا تخريب القمة، والتشويش عليها، وربما منع عقدها، بعد الإخفاق في جعلها بوابة لعودة دمشق عربياً. كان نصف لبنان الآخر يتمنّى أن تكون القمة محطة لاستعادة الظهير العربي، بما يساعد على تعديل الموازين الداخلية، وإنجاز تشكيل الحكومة المتعثر منذ نحو عام.

القمة الاقتصادية مظلومة منذ انعقدت للمرة الأولى في الكويت قبل عشر سنوات، لكن ظلمها في السابق اقتصر على تجاهل مقرّراتها والتعامل معها باعتبارها استحقاقا روتينيا بلا أهمية حقيقية. أما قمة بيروت فقد فشلت لأهميتها سياسياً، وليس لعدم أهميتها اقتصادياً. وامتازت عن سابقاتها بالظلم مرتين، فهي الوحيدة التي غاب عنه ضيوفها وانقسم حولها مضيفوها.