العدد 1537 /16-11-2022

استيقظ اللبنانيون قبل أيام على خبر زيادة أسعار تعرفة الكهرباء بما يزيد عن عشرة أضعاف، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1994، وسط وعود بتأمين الكهرباء من 8 إلى 10 ساعات يومياً وتجنب العتمة الكاملة، بينما يحذر خبراء اقتصاد من تداعيات زيادة الأسعار على المواطنين في ظل الأزمة الراهنة، لا سيما أن الأسعار سيجري تعديلها كل شهر أو شهرين حسب تقلّبات أسعار النفط وسعر الدولار وفق منصة "صيرفة" التابعة للبنك المركزي.

وتأتي زيادة تعرفة الكهرباء على خُطى خدمات الاتصالات والإنترنت التي ارتفعت أسعارها قبل نحو خمسة أشهر بنحو ثلاثة أضعاف. ووفق قرار مجلس إدارة شركة "كهرباء لبنان" الصادر في وقت سابق من تشرين الثاني الجاري، تقرر تسعير الكهرباء بقيمة 10 سنتات للكيلوواط لأول 100 كيلوواط/ ساعة مستهلكة، وتسعير 27 سنتاً لكل كيلوواط/ ساعة للاستهلاك فوق ذلك، على أن يجري احتساب التكاليف بالليرة اللبنانية وفق سعر صيرفة التابعة للبنك المركزي المتحرّك والذي بلغ نحو 30100 ليرة للدولار الأميركي. وكانت تعرفة الكهرباء تعادل في السابق سنتاً واحداً لكل كيلوواط/ ساعة.

وذكرت مؤسسة الكهرباء أن السعر الذي تحدد في التعرفة الجديدة مرهون بتسديد فواتير استهلاك الطاقة الكهربائية من قبل كل الإدارات العامة والمؤسسات والبالغة قيمتها حوالي 230 مليون دولار سنوياً، على أن تقوم الدولة اللبنانية بتسديد كلفة شراء الفيول العراقي اللازم لتشغيل المحطات، مضيفة أنه في حال عدم القيام بهذين الإجراءين، فتصبح التعرفة 37 سنتاً بدلاً من 27 سنتاً لكل كيلوواط/ ساعة للاستهلاك فوق 100 كيلوواط.

ويقول المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية غسان بيضون إن خطة رفع التعرفة الكهربائية لن تنجح وستكون غير عادلة، خصوصاً أنها لا تستند إلى خطة مدروسة وعادلة أو تشريح أو تحليل علمي لعناصر كلفة الإنتاج، واصفاً إياها بـ"التعرفة الاعتباطية".

ويشير بيضون إلى أن الهدف من زيادة التعرفة أمران، الأول، تغطية العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان التي تعاني من إفلاسٍ، إذ إنها غير قادرة على سداد مستحقات العاملين الذين يلجأون إلى الإضراب لتحصيل حقوقهم أو المتعهدين، وبالتالي التعرفة الجديدة جاءت لتعويم المؤسسة من الإفلاس ومن فشل المسؤولين.

ويضيف بيضون أن "السبب الثاني هو تبرير الوعود بتأمين تغذية كهربائية من 8 إلى 10 ساعات في اليوم، علماً أنه يصعب تأمينها، وإذا أُمنت لن تستقر لأن مصادر تمويل الفيول والحصول عليه صعبة ومعقدة ولن تستمر".

وتابع: "تعرفة الكهرباء يجب أن تراعي ظروف الناس الاقتصادية والاجتماعية ودخلهم بالدرجة الأولى، فمن يستطيع دفع مليونين ونصف مليون مثلاً لقاء 5 أمبير؟".

ويقر المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه بأنه ستكون هناك منفعة في حال التغذية بالكهرباء، حيث ستكون الكلفة أقل مقارنة بما يسدده البعض للمولدات الخاصة، لكن الفارق لن يكون كبيراً، كما أن "الدولة في حال عدم دفع فواتيرها ومستحقاتها، سيتم رفع التعرفة 10 سنتات، أي من 27 إلى 37 سنتاً، فهل هناك أوقح من طرح كهذا؟ هل يعقل أو يجوز للمواطن أن يدفع عن الدولة ويقوم بواجباتها؟".

وفيما يرى بيضون أن الهبة الروسية ستلقى مصير الهبة الإيرانية لأنها تأتي من الشرق، وهذا أمر غير مستحب في البعد السياسي، يلفت إلى أن خطوة لبنان في رفع التعرفة لن تُقنِع البنك الدولي الذي يطلب جملة إصلاحات كشروط أساسية لتمويل قرضي استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، على رأسها أن تكون الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء مستقلة، والبحث عن مصادر إنتاج بكلفة أقل، وهذه كلها عناصر لم تتحقق.

من جهته، يقول الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب، إن خطوة رفع التعرفة ما زالت غامضة في نقاطٍ كثيرة، وهناك أسئلة كثيرة لا تزال تحتاج إلى أجوبة وتوضيحات، ولا سيما حول أثرها على المواطنين في ظل الأزمة الراهنة وغياب الإصلاحات.

ويشير أيوب إلى أن ثقة المواطنين بالدولة صفر، الأمر الذي قد يرتد بعدم تسديدهم الفواتير، ولا سيما أن التعرفة مرتبطة بسعر صيرفة، ما يعني أنها ستزيد في حال ارتفع سعر صرف العملة الأميركية.

ويلفت إلى أن هناك توقعات بأن ترد مؤسسة كهرباء لبنان في منتصف العام المقبل دينها للمصرف المركزي، ولكن هذا لن يحصل إذا لم تنفذ الإصلاحات، خاصة تخفيف الخسائر التقنية وغيرها ما يقلل الهدر الكهربائي والتعديات على الشبكة وتحسين تحصيل الفواتير، متسائلاً عن قدرة كهرباء لبنان على استيفاء الفواتير المتراكمة من مؤسسات الدولة.

ويشير إلى أن تثبيت تعرفة الكهرباء منذ عام 1994 أدى إلى زيادة التحويلات من الموازنة العامة إلى مؤسسة كهرباء لبنان من 50 مليون دولار إلى 24.3 مليار دولار في عام 2020، ويشدد على أن السياسة هي المعرقل الأساس للقطاع، والممارسات القائمة على المحاصصة والتعيينات الطائفية والحزبية، وهو ما طاول حتى المعامل ومكان إنشائها، بينما لم تعمل الدولة على اعتماد مصادر الطاقة المتجددة الأقل كلفة.

ويتابع أيوب أن التقديرات تشير إلى أن إنفاق الأسر والحكومة على الكهرباء تجاوز بالأساس نسبة 6% من مجمل الناتج المحلي في السنوات التي سبقت الانهيار في عام 2019، إذ بلغت مثلاً فاتورة استهلاك الكهرباء في عام 2017 نحو 3.3 مليارات دولار، منها مليارا دولار، أي أكثر من 60%، سددها المستهلكون مباشرة إلى المولدات الخاصة (1.1 مليار دولار)، وإلى مؤسسة كهرباء لبنان 900 مليون دولار، في حين أن 39% من الفاتورة، أي 1.3 مليار دولار، سدّدتها الخزينة العامة من أموال الضرائب كدعم مباشر لتثبيت أسعار الكهرباء العامة.

وعانى لبنان من عتمة شاملة وأزمة كهرباء قاسية بلغت أوجها في السنوات الثلاث الماضية، وخصوصاً في صيف 2022 حيث بالكاد "تزور" كهرباء الدولة منازل المواطنين ساعة في اليوم، وليس في كل المناطق اللبنانية، في وقتٍ تجاوز فيه سعر 5 أمبير للمولدات الخاصة المليون ليرة، ويعمد أصحاب المولدات إلى استغلال الأزمة والتسعير بفوارق كبيرة عن سعر الصرف لتحقيق أرباح طائلة عدا عن لجوئهم إلى التقنين لساعات طويلة في النهار والليل.

تجدر الإشارة إلى أن أول تقنين رسمي عانى منه لبنان كان عام 1952، وبدأت ظاهرة المولدات الخاصة تنتشر في فترة الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).

وتقول الشركة "الدولية للمعلومات" المستقلة المتخصصة في الأبحاث والإحصاءات في تقرير، إن المنزل الذي يصل استهلاكه شهرياً إلى 250 كيلوواط/ ساعة قد تصل فاتورته الشهرية إلى نحو 1.93 مليون ليرة وفقاً لسعر منصة صيرفة مع وصول قيمة الدولار إلى 30 ألف ليرة.