وائل نجم - كاتب وباحث

 وائل نجم - كاتب وباحث
الأحد الثاني والعشرين من أيار جرت الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، ومعلوم أن هاتين المحافظتين تعدان المعقل الأساسي لكل من حزب الله وحركة أمل، إذ يشكّل المواطنون الشيعة ما نسبته 70% تقريباً من سكان المحافظتين، فيما يستأثر الفصيلان المذكوران بالتمثيل الشيعي على مستوى الندوة النيابية، ويحتكران التمثيل السياسي للشيعة على مستوى الوطن. كذلك يسجّل حضور قوي ولافت لتيار المستقبل والجماعة الإسلامية في كل من صيدا والعرقوب، وللتيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية في جزين وقضائها.  
الانتخابات البلدية التي جرت يوم الثاني والعشرين من أيار، والتي وصلت نسبة الاقتراع فيها إلى 48.7% في المحافظتين أظهرت مجموعة من الدلائل التي لا يمكن القفز فوقها أو تجاهلها لأنها تعتبر بمثابة مؤشرات على تغيّر ملحوظ في المزاج الشعبي العام قياساً على نسب الاقتراع في الدورة السابقة في عام 2010، وعلى النتائج التي تمخّضت عنها.
في الدلالة الأولى أظهرت نسب الاقتراع أنها كانت في عام 2010 أكثر من 52% في مجمل أقضية المحافظتين، في حين أنها تراجعت في عام 2016 إلى 48.7% ، وكان لافتاً أن نسب المشاركة المرتفعة في العام 2016 كانت في الأقضية ذات الأغلبية المسيحية والسنية والدرزية، في حين أنها تراجعت في الأقضية ذات الأغلبية الشيعية، وهو ما يعني أن عزوفاً، بقدر معين، سجّل في تلك الأقضية كنوع من الاعتراض على السياسات واللوائح التوافقية التي شكلت بين حركة أمل وحزب الله، وقد وجد المعترضون فرصة للتعبير عن ذلك من خلال هذا العزوف على الرغم من الدعاية التي اعتمدت، والأموال التي صرفت. كما سجّل تراجع نسبة الاقتراع في مدينة صيدا، لاعتبارات يتعلق بعضها بالتراخي في المعركة الانتخابية حيث كانت النتيجة محسومة سلفاً لتحالف «تيار المستقبل» - «الجماعة الإسلامية»، وكذلك لغياب الناخب المغترب الذي كان يشارك دائماً في الاستحقاقات الانتخابية.
في الدلالة الثانية أظهرت المعركة الانتخابية وجوداً وتنافساً كبيراً مع اللوائح التي كانت مشكّلة ومدعومة من مستقلين ومن اليسار اللبناني بشكل عام، وقد شهدت بعض البلدات الجنوبية الكبرى معارك انتخابية حادة بوجه تحالف أمل - حزب الله، واستطاعت اللوائح التي تشكّلت من الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي، ويساريين سابقين من اختراق لوائح أمل – حزب الله في الكثير من البلدات الجنوبية، ووصل حجم الاختراق في بعض البلدات إلى حدود نصف أعضاء المجالس البلدية، كما جرى في بلدتي كفرمان وحولا وغيرهما من البلدات.
في الدلالة الثالثة، أظهرت المعركة الانتخابية حضوراً قوياً للمستقلين، والعائلات، والمعترضين على قياداتهم ضمن التحالف الثنائي الشيعي، وهنا تبرز الكثير من البلدات التي شكّل فيها محسوبون على حزب الله وحركة أمل لوائح انتخابية خلافاً لتوجهات القيادة الحزبية، بل وفي مواجهة لوائح هذه القيادة، وقد استطاع بعض هؤلاء تسجيل فوز كاسح على لوائح الحزب والحركة كما جرى في بلدة دير انطار الجنوبية حيث فازت لائحة محسوبة على قيادي سابق في حزب الله على اللائحة المدعومة من الحزب والحركة، وقد أدّى ذلك إلى اشتباك مسلح تدخّل الجيش على اثره لحسم الموقف. وكذلك ما جرى في بلدة جويّا الجنوبية حيث فازت اللائحة المدعومة من شخصيات كانت على صلة بالحركة والحزب في مواجهة اللائحة التوافقية، وقد تكرر هذا المشهد في عشرات البلدات الجنوبية. وقد كشف هذا المشهد عن حجم الاعتراض على الثنائي الشيعي وسياسته في الجنوب، هذا مع العلم أن معظم الخدمات في هذه المناطق محتكرة من قبل هذا الثنائي على مستوى الدولة، فضلاً عن حصرية السلاح الذي تمتلكه هذه الثنائية تحت مسمّى «المقاومة».
كذلك ظهر حضور المستقلين في قضاء حاصبيا في البلدات الدرزية والسنّية على حد سواء، حيث كانت المعركة عائلية في هذه البلدات أكثر منها سياسية.
أما إذا ذهبنا إلى قراءة الأرقام التي حملتها النتائج فإننا سنرى أن فارق الأصوات في البلديات التي فاز فيها التحالف الثنائي الشيعي في مواجهة اللوائح الأخرى كان ضئيلاً ولم يكن هناك اكتساح كبير كما كان يجري من قبل، وقد أظهرت هذه الارقام تراجعاً ملحوظاً في شعبية الحزب والحركة على حد سواء، خاصة أن التحالف كان يجمع الاثنين معاً في لوائح مشتركة. ولو افترضنا أن المعركة الانتخابية كانت ستجري على أساس كل من أمل وحزب الله في لوائح منفردة ومستقلة عن الآخر كما كان يجري من قبل في الدورات السابقة، لكان من المؤكد أن دور المستقلين واليساريين والعائلات والمعترضين على سياسات الحزب والحركة سيظهر أكثر جلاء وقوة وتأثيراً مما ظهر عليه في هذا الاستحقاق.
هذا وقد أظهرت الارقام حصول اليساريين والمستقلين في البلدات الشيعية على أرقام نافست وناهزت الارقام التي حصلت عليها اللوائح المشكلة من قبل أمل وحزب الله.
ولم يكن الأمر مختلفاً في سائر البلدات والقرى الجنوبية الأخرى باستثناء مدينة صيدا حيث كان فارق الأرقام بين اللائحة الفائزة واللوائح الأخرى كبيراً، بينما كانت الارقام في معظم البلدات التي شهدت تنافساً انتخابياً كما في جزين وحاصبيا متقاربة.
خلاصة القول أن النتائج التي تمخّضت عنها الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب والنبطية أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن شعبية حزب الله تراجعت عمّا كانت عليه سابقاً، وإن لم تصل إلى المرحلة التي يتأثر بها وينتقل معها إلى الخسارة، إلا أنها أشارت بشكل واضح لا لبس فيه إلى حجم الاعتراض الشيعي المتنامي على سياسة الحزب المتبعة، لا سيما بعد تورطه بالقتال إلى جانب النظام السوري، والتي من المرجّح أن تنمو وتكبر في حال استمر الحزب بهذه السياسة، حتى في المناطق التي يكنّ فيها الناس للحزب التقدير على انجازه تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000. كما تظهر خلاصة هذه النتائج عودة نمو التيارات اليسارية في الكثير من المناطق الجنوبية، فضلاً عن عودة الروح العائلية التي كان لها دور وتأثير كبير في الاستحقاق الانتخابي الأخير.