وائل نجم

ليل الاثنين المقبل (26/3/2018) هو آخر مهلة لتقديم وتسجيل اللوائح الانتخابية في وزارة الداخلية. بعد هذا الموعد، أي مرشح لم يتسجّل في لائحة انتخابية سيكون خارج السباق الانتخابي. هكذا هو القانون الانتخابي الحالي، الذي أعطى للناخبين فرصة للتعرّف إلى اللوائح الانتخابية قبل 45 يوماً من موعد فتح صناديق الاقتراع، وبات بإمكان الناخب معرفة اللوائح والحلفاء قبل هذه المدة، وهذا بالطبع أمر صحّي وجيّد ويعطي فرصة للناخب كي يفكّر جيداً قبل أن يمنح صوته لأية لائحة. ولكن هذا القانون في المقابل أخذ من الناخب حقّ الاختيار، وفرض عليه أحياناً مرشحين لا يريدهم، وذلك من خلال حصرية التصويت للائحة، ومن ثم بعد ذلك منح الصوت الانتخابي لمرشح واحد من بين أعضائها (الصوت التفضيلي).
على كل حال، فقد فرض القانون على المرشحين الانضواء في لوائح وتقديمها إلى وزارة الداخلية قبل 45 يوماً من يوم الانتخاب، وبالتالي فرض على القوى السياسية وحتى على الأفراد البحث عن شركاء وحلفاء لخوض غمار المعركة الانتخابية، وهي تجربة لم تكن معهودة من قبل. لقد شعر كل طرف أنه بحاجة إلى الطرف الآخر، وأنه مضطر لنسج تحالف معه، حتى لو كان ظرفياً ومرحلياً. لقد قرّب هذا القانون بين الخصوم، وباعد أحياناً بعض الحلفاء. وأقول إنه على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وُجّهت إلى هذا القانون، وبالطبع فإن أي قانون كان يمكن أن تُوجّه إليه انتقادات، إلا أن من إيجابيات هذا القانون التي ظهرت في مرحلة التفاوض والحاجة إلى التحالف، أنه كسر في كثير من المناطق والدوائر مسألة الاصطفاف الثنائي والعامودي الذي أرهق كاهل البلد طوال الفترة الماضية، وفتح الأبواب بين قوى سياسية للتحاور والنقاش وتعرّف بعضها إلى بعض عن قرب، في وقت كان فيه الحديث بينها يكاد يكون من المحرمات. لقد أنهى هذا القانون، ولو مرحلياً، اصطفاف 8 و14 آذار، وخلط بين هذه القوى، وهذا مؤشر جيد يمكن البناء عليه لتجاوز انقسامنا العمودي الذي كاد أن يأخذ البلد إلى المجهول في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة. كذلك من إيجابيات هذا القانون أنه أنهى أيضاً الاحتكارات وزمن المحادل والبوسطات. لم يعد بإمكان تلك القوى المهيمِنة والمحتكِرة أن تبقي على هيمنتها واحتكارها، وبات بإمكان القوى الأقل حضوراً وتأثيراً أن تشارك وفق حجمها وقوتها في صناعة قرار البلد. وكل ذلك بالطبع أثّر بشكل أو بآخر في التحالفات الانتخابية، التي يمكن أن يتطور بعضها إلى تعاون في أكثر من مجال.
  أما عن معالم المعركة الانتخابية قبيل أيام من إقفال الباب في وزارة الداخلية على تسجيل اللوائح، فقد سجّلت بورصة التحالفات حتى الآن نوعاً من الخلطة التي وجدت القوى السياسية نفسها مضطرة إليها، وقد راعت فيها أحياناً المصالح المناطقية. وإذا أردنا أن نلقي نظرة سريعة على هذه التحالفات، فإننا نسجّل تحالفاً قوياً بين الثنائي الشيعي (أمل – حزب الله) في مقابل تراجع التحالف بين «حزب الله» والتيار الوطني في أغلب الدوائر، وخصومة شديدة بين أمل والتيار الوطني الحر في معظمها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تيار المستقبل والقوات اللبنانية الذي لم يسجّل تحالفاً واسعاً بين ركني 14 آذار السابقين، بل كان التحالف بينهما في دوائر، والتنافس في دوائر أخرى، ولولا الضغط الخارجي، كما يقول البعض، لما كان لهذا التحالف أن يولد حتى في الدوائر التي جرى التحالف فيها. وفي مقابل ذلك، سجّل تباعد بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» في أغلب الدوائر، وكذلك بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر إلا في دوائر قليلة، بعدما كان الحديث يجري عن تحالف واسع بينهما، إلا أن زيارة الرئيس الحريري للسعودية والعودة منها برؤية جديدة، أعادت خلط الأوراق من جديد.
في تحالفات القوى الأقل حضوراً في المجلس النيابي، نرى أن النائب وليد جنبلاط فضّل التحالف مع «المستقبل» و«القوات» على غيرهما لاعتبارات تعنيه، ولا سيما في الشوف، وهادَنَ الثنائي الشيعي في بقية المناطق. أما التيار الوطني الحر الذي شعر في لحظة ما بمحاولات لحصاره في أكثر من دائرة، فقد استطاع أن يفتح قنوات تواصل ومفاوضات مع قوى أخرى كما حصل مع الجماعة الإسلامية في صيدا – جزين، وفي عكار، وقد تتكلّل هذه المفاوضات بعقد تحالف بينهما في هاتين الدائرتين، وربما امتدّ إلى دوائر أخرى. وأما التحالفات التي عقدت على مستوى المدن بين شخصيات سياسية نشاطها محصور في تلك المدن فقط، فإنها خارج إطار التحالفات الفعلية والحضور المؤثّر إلا في محيطها فقط، وليس على مستوى القرار الوطني العام، حتى لو ظهرت هذه الشخصيات في بعض الأوقات جزءاً من المشهد الوطني العام.
في ضوء هذه التحالفات يمكن القول إن بعض المقاعد النيابية قد تكون محسومة لطرف من الأطراف، وبعض المقاعد الأخرى قد لا تكون محسومة، ويبقى المهم أن هذه الصيغة فتحت الأبواب بين القوى على بعضها لنقاش جدّي حقيقي يجب أن يستمر ويتواصل من أجل صالح البلد.}