بسام غنوم

تكشف النقاشات والخلافات الدائرة حول قانون الانتخاب القائم على النسبية أن العقد الطائفية هي الأساس في كل السجال القائم بين مختلف الفرقاء، ولا سيما بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والرئسي نبيه بري، حيث يربط الوزير جبران باسيل الموافقة على قانون الانتخاب القائم على النسبية ب15 دائرة بالحصول على جملة ضوابط وإصلاحات عبّر عنها بالقول «إن النسبية في حاجة الى ضوابط وإصلاحات كي تؤمن الديمومة ولا تكون سبباً للمطالبة اللاحقة بتغيير القانون مرة أخرى»، وتبين أن هذه الضوابط والإصلاحات مرتبطة بحسابات طائفية، سواء لناحية ربط الصوت التفضيلي للمرشح أو اللائحة بالعتبة الطائفية، أو لناحية كيفية احتساب الأصوات للمرشحين الفائزين عبر القانون النسبي وارتباط ذلك بالبعد الطائفي.
وفيما يرفض الثنائي الشيعي بزعامة الرئيس نبيه بري هذه الشروط الطائفية ويطالبون بالصوت التفضيلي على القضاء وخارج القيد الطائفي، يبدو موقف الرئيس سعد الحريري غير واضح المعالم، فهو يطالب بإقرار قانون جديد للانتخابات قائم على النسبية، ويعلن أن صفحة قانون الستين طويت «وأنا سعد الحريري لا أترشح الى الانتخابات بقانون الستين، ولا حتى تيار المستقبل»، ومع ذلك لا يعطي رأياً واضحاً وصريحاً بخصوص النقاش الدائر حول الحساب الطائفي للصوت التفضيلي، هل هو مع طرح جبران باسيل أم مع طرح الثنائي الشيعي ومعهم النائب وليد جنبلاط الذين يطالبون بأن يكون الصوت التفضيل خارج القيد الطائفي؟
وهذه النقطة بالذات تترك أكثر من علامة استفهام حول موقف الرئيس سعد الحريري من قانون الانتخاب القائم على النسبية، حيث يبدو الرئيس سعد الحريري أقرب إلى طروحات التيار الوطني الحر، وهو موقف يثير الاستغراب لأنه موقف طائفي ويرسّخ الطائفية في لبنان التي تتعارض مع اتفاق الطائف، وفي نفس الوقت يؤكد أن الحسابات السياسية الخاصة للرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل تتقدم على الحسابات الوطنية.
وهنا يطرح السؤال الآتي: في ظل الأجواء الطائفية التي تحيط بقانون الانتخاب، هل يمكن أن يحمل هذا القانون التغيير المنشود للبنان واللبنانيين؟
قبل انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية في أواخر عام 2016 كان النقاش السياسي يتمحور حول انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وأن انتخاب الرئيس ضروري من أجل انتظام الحياة السياسية وعودة المؤسسات الى عملها، وهو ما سيؤدي لاحقاً إلى عودة الأمن والاستقرار في لبنان، وانتعاش الاقتصاد الذي يعاني من صعوبات كثيرة بسبب الخلافات السياسية القائمة بين اللبنانين.
لكن بعد ما يقارب 18 شهراً من انتخاب الرئيس عون، يبدو أن الأمور ما زالت على حالها، بل يمكن القول بكل بساطة إنها ازدادت سوءاً. فعلى صعيد الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، لم يؤد تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي أعلن أن الهدف الرئيسي لحكومته هو إصدار قانون جديد للانتخابات، وإجراء انتخابات نيابية تضمن صحة التمثيل للبنانيين، إلا إلى زيادة الاحتقان الطائفي بين اللبنانيين والى الدخول في متاهات قانونية ودستورية حول صلاحيات رئيس الجمهورية والمجلس النيابي، ونحن اليوم على مشارف انتهاء مدة المجلس النيابي وانتهاء مهلة العقد الاستثنائي لمجلس النواب، ومع ذلك ما زال النقاش الطائفي محتدماً حول قانون الانتخاب، وهو ما يزيد الانقسام بين اللبنانيين.
وبالتالي، فإن الأمل بالتغيير نحو الأفضل حتى لو تم الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، هو أشبه بالسراب، لأن الغول الطائفي أصبح متحكماً في كل إدارات الدولة، وينهش بجسدها، فأي تغيير في ظل هذه الأجواء سيحمله قانون الانتخاب؟
هذه نقطة، وهناك نقطة أخرى مرتبطة أيضاً بالغول الطائفي المتفشي في الدولة، وهي مرتبطة بشعار حقوق المسيحيين الذي يرفعه الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر، والذي بدأ يقضم من حقوق باقي الطوائف في إدارات الدولة، وقد ارتفعت أصوات أهالي بيروت بالشكوى من التعيينات الأخيرة في وزارة العدل التي قام بها وزير العدل سليم جريصاتي، والتي جرى من خلالها تعيين موظفين من طائفة معينة بدلاً من موظفين من أهل بيروت، ومع ذلك لم يتحرك الرئيس سعد الحريري لمعالجة هذا الخلل الطائفي بسبب حساباته السياسية المرتبطة بالعلاقة مع الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر.
والأمر لا يقتصر فقط على ما يجري في إدارات الدولة طائفياً، بل بدأ ينعكس على تعامل اللبنانيين بعضهم مع بعض، حيث أصبح استئجار شقة أو شراء قطعة أرض من مسلم في منطقة يغلب عليها الوجود المسيحي وكأنه جريمة كبرى، وهناك أكثر من حادثة في أكثر من منطقة من الجنوب الى بيروت مروراً بجبل لبنان والشمال جرى فيها احتساب العامل الطائفي لمنع مسلم من تملّك أرض أو شقة عائدة لمسيحيين.
هذا يعني أن قانون الانتخاب، سواء أكان قائماً على النسبية أم على الستين أم على غير ذلك من القوانين الانتخابية لن يكون الحل لأزمات لبنان واللبنانيين، لأن الغول الطائفي أصبح متحكماً بخيارات بعض القوى السياسية، وهذا ما يهدّد مستقبل لبنان واللبنانيين.}