العدد 1427 / 9-9-2020

بموازة التحرك الذي اطلقه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمعالجة الازمة اللبنانية والدعوة لعقد سياسي جديد ، عاد بعض المسؤولين اللبنانيين لطرح قيام الدولة المدنية في لبنان ، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعا في كلمة له في الذكرى المئوية لقيام لبنان الكبير لقيام الدولة المدنية كبديل عن النظام الطائفي ، والرئيس نبيه بري في كلمة له في الذكرى السنوية لاختطاف الامام موسى الصدر جدّد الدعوة لقيام الدولة المدنية، وهناك احزاب وقوى وشخصيات سياسية ودينية اعادت طرح تبني الدولة المدنية وتستعد بعض الاحزاب والهيئات السياسية والدينية لعقد مؤتمرات فكرية وسياسية من اجل بحث هذا الملف واليات تطبيقه.

لماذا العودة للدولة المدنية؟

لماذا عودة النقاش مجددا في لبنان لطرح الدولة المدنية؟ وهل هذا الطرح مجرد بالونات اعلامية وسياسية او هناك مشروع جدي وحقيقي يتم العمل من اجل تطبيقه؟

وما حقيقة الدولة المدنية؟ وهل يمكن ان تكون الحل للمشاكل القائمة في لبنان؟ وهل من خارطة طريق نحو الدولة المدنية؟

يثير مصطلح "الدولة المدنية" لدى الاوساط الفكرية والسياسية والدينية والحزبية الكثير من الالتباسات ، وليس هناك مفهوم موحد لهذه الدولة ، كما انه ليس هناك موقف حاسم لدى القوى السياسية والحزبية منها.

لا يوجد تعريف موحد للدولة المدنية، ففي دراسة اعدها مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية ونشرها في كتاب صادر عنه في شهر تشرين الثاني 2012 "ان الدولة المدنية مصطلح حديث يقضي بأن تضمن الدولة حقوق جميع مواطينها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والاثنية والثقافية واللغوية، وتقوم على المساوة التامة فيما بينهم في الحقوق والواجبات وتؤمن حرية المعتقد وحقوق الانسان، ويكون مرجعها محصورا بالقانون والدستور وينطبق مفهوم الدولة المدنية على الدولة التي تقوم على المساواة التامة في المواطنية ولا تستند الى احكام الدين في قوانينها لكنها في الوقت نفسه ليست معادية له.

ويعتبر بعض المفكرين والباحثين الحقوقيين: ان الدولة المدنية هي دولة الحقوق او دولة المواطنة ، اي ان يأخذ المواطن كامل حقوقه وبالتساوي مع بقية المواطنين في الدولة نفسها.

أما على صعيد موقف الجهات الاسلامية من "الدولة المدنية"، فاننا لا نجد موقفا موحدا لدى هذه الجهات، ففي حين ان هناك قسما منها تؤكد تبنيها لهذا المصطلح ورفضها لمصطلح "الدولة الدينية" فانها تحرص على عدم تحديد موقف نهائي من مصطلح "الدولة المدنية" ويغيب هذا المصطلح عن ادبياتها، لكنها من الناحية العملية توافق على الالتزام بالقوانين والانظمة الديموقراطية، لكن بعض الاوساط الاسلامية لا تتبنى هذا الطرح بوضوح خوفا من ان يؤدي الى العلمانية وفصل الدين عن الدولة او الغاء نظام الاحوال الشخصية ، كما ان بعض الجهات المسيحية رغم دعوتها للدولة المدنية او العلمانية فانها ترفض بالمقابل الغاء نظام الاحوال الشخصية الدينية او اقامة نظام احوال شخصية مدني.

وعند الحديث عن اعتماد قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية فان نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يفند اسباب رفض الزواج المدني ويؤكد على اعتماد الزواج الشرعي الاسلامي، ويعتبر ان مشروع الزواج المدني الاختياري خطوة على طريق علمنة الاحوال الشخصية لابعاد الدين بالكامل عن مسرح الحياة، وهو حل لا ينسجم مع ظروف المجتمع اللبناني".

اما رئيس الدائرة السياسية في "الجماعة الاسلامية" في لبنان النائب السابق الدكتور عماد الحوت فيقول "ان الاسلام لا يقر الدولة الدينية وليس فيه امتيازات لطبقة رجال الدين على صعيد الحكم فالحكم فيه لعامة المسلمين حسب الكفاءة والاهلية ورضا الناس، والدولة الاسلامية دولة مدنية وهي دولة تساوي بين مواطنيها بصرف النظر عن اديانهم ومذاهبهم، وينص نظامها على حرية جميع الناس في الاعتقاد وممارسة الشعائر. وقد تبنى رئيس المجمع الجعفري للبحوث والدراسات الاسلامية الشيخ محمد حسين الحاج الدعوة للدولة المدنية في لبنان لكنه لم يقدّم مشروعا كاملا ، كما تبنى ملتقى الاديان والثقافات الذي يرأسه العلامة السيد علي فضل الله مشروع دولة المواطنة، لكن ليس هناك رؤى ومشاريع متكاملة في هذا المجال.

إمكانية التطبيق والعقبات

لكن هل يمكن تطبيق الدولة المدنية في لبنان ؟ وما هي العقبات؟

يمكن القول اذن انه ليس هناك موقف موحد وحاسم من قبل القوى السياسية والحزبية والهيئات الدينية في لبنان من الدولة المدنية ، واما على الصعيد العملي والتطبيقي وخصوصا في الدول التي لديها قوانين للاحوال الشخصيةمستندة على الانتماء الديني والمذهبي فان التطبيق الكامل للدولة المدنية قد يواجه الكثير من الاشكالات والنقاشات ، وهذا ما يحصل في لبنان عند الدعوة لاقامة قانون مدني موحد للاحوال الشخصية.

لكن هناك وجهة نظر اخرى تعتبر ان لبنان دولة مدنية ، وان الدستور اللبناني يؤكد على مدنية الدولة ، وان المطلوب احترام الدستور وتطبيقه بشكل كامل وخصوصا لجهة تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية واعتماد قانون انتخاب غير طائفي وتشكيل مجلس الشيوخ ، كما يمكن اعتماد قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية من اجل اعطاء المجال لمن لا يريد الالتزام بالاحوال الشخصية الطائفية او الدينية.

فهل هناك اليات محددة من اجل قيام الدولة المدنية ؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟

والجواب على ذلك وكي تكون هذه الدعوة عملية وممكنة التطبيق فان على الداعين للدولة المدنية تحديد مفهومهم للدولة المدنية وماذا يريدون من هذه الدولة وما هي الحدود التي يقبلون بها والحدود التي يرفضونها ، وعلى ضوء ذلك يمكن ان نجيب اذا كانت الدولة المدنية هي الحل ؟ او ان هذه الدعوة ستطرح مشكلة اخرى الى جانب المشاكل القائمة اليوم.

قاسم قصير