العدد 1351 / 27-2-2019
قاسم قصير

في مواجهة المتغيرات الداخلية والخارجية بدأ حزب الله تنفيذ الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها قيادة الحزب قبل عدة اشهر ، وتقوم هذه الاستراتيجية على اعتبار الاهتمام بالوضع الداخلي اللبناني يوازي الاهتمام بالمقاومة والدور الاقليمي ، وهذه الاستراتيجية تفرض على الحزب اعطاء الاولوية لكل الملفات الداخلية والبدء بتطبيق اداء جديد على صعيد العلاقة مع كل القوى اللبنانية ، والتكيف مع المتغيرات الخارجية في ظل التطورات المتسارعة اقليميا ودوليا

ولقد برزت بعض مؤشرات هذه الاستراتيجية من خلال اداء قيادة حزب الله ووزرائه ونوابه بشأن الوضع الداخلي والمسارعة بمعالجة الازمة التي سببها النائب نواف الموسوي خلال مناقشات المجلس النيابي للبيان الوزاري ، اضافة لبدء فتح ملفات الفساد في كل المجالات

فما هي الاسباب التي دعت حزب الله لاعتماد الاستراتيجية الجديدة في ادائه ؟ وما هي الانعكاسات والدلالات الناتجة عن هذه الاستراتيجية داخليا وخارجيا؟

الاستراتيجية الجديدة

بداية ماهي الاسباب التي دفعت حزب الله لاعتماد استراتيجية قائمة على اعطاء الاولوية للشأن الداخلي اللبناني؟

من المعروف ان حزب الله عندما تأسس، وضع في نظامه الداخلي قاعدة اساسية قائمة على انه : حركة جهادية تهدف لمواجهة الاحتلال الصهيوني , وان كل عمل سياسي او اعلامي او مشاركة في السلطة يهدف لخدمة المقاومة، وقد تم تطبيق هذه القاعدة طيلة الفترة الماضية منذ العام 1982 وحتى العام 2018 ، وكانت القاعدة الاساسية التي تحكم اداء الحزب ومواقفه داخليا وخارجيا حماية المقاومة ومشروعها الاساسي في مواجهة الاحتلال الصهيوني

ولكن التطورات المتسارعة داخليا وخارجيا , ووصول لبنان الى مرحلة صعبة قد تؤدي لانهياره اجتماعيا واقتصاديا ، وحجم المخاطر الكبيرة التي بدأ يواجهها المجتمع اللبناني عامة ومجتمع المقاومة خاصة، دفعت قيادة حزب الله لاعتماد استراتيجية جديدة قبل الانتخابات النيابية الاخيرة تقوم على اعتبار الاهتمام بالشأن الداخلي اللبناني يوازي الاهتمام بالمقاومة ، وان معالجة هموم الناس ومشاكلهم يجب ان تعطى الاولوية في كل الاداء السياسي والاعلامي والنيابي والحكومي ، دون التخلي عن الاهتمام بالمقاومة ودورها وفي الاستعداد الدائم لمواجهة اي عدوان اسرائيلي على لبنان

وقد تجلت هذه الاستراتيجية في اداء حزب الله ومن خلال شعار المعركة الانتخابية : نبني ونقاوم ، وكذلك من خلال فتح المعركة على الفساد على اوسع ابوابها وتخصيص وحدة خاصة برئاسة النائب الدكتور حسن فضل الله لمتابعة هذه القضية وتولي امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وقيادة الحزب الاشراف على هذا الملف .

الانعكاسات والدلالات

بدأت الانعكاسات العملية لتطبيق حزب الله استراتيجيته الجديدة من خلال تزايد حجم الاهتمام بالشأن الداخلي والقرار بفتح كل الملفات حول الفساد ووضع اليات عمل تفصيلية سيتم تطبيقها في المرحلة المقبلة ، كما بدأ الحزب مراجعة داخلية لكل اوضاعه التنظيمية واتخاذ اجراءات حازمة بحق اي مسؤول حزبي يرتكب اخطاء تنظيمية او يكون مشاركا في اي ملف تحوم حوله الشبهات والاشكالات

واما على صعيد العلاقة مع القوى السياسية والحزبية فسيكون العنوان الاساسي لهذه العلاقات هو كيفية التعاون في مواجهة الفساد وحماية الوضع اللبناني من الانهيار بغض النظر عن الخلافات السياسية الداخلية او الخارجية ، وان القاعدة الاساس هي العمل من اجل معالجة مشاكل الناس وهمومها

وفي الشأن الخارجي فالحزب سيظل ملتزماﹰ مواقفه الثابتة على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني والاستعداد لمواجهة اي عدوان محتمل ، لكن بموازة ذلك فان الدور الاقليمي للحزب قد يتراجع نسبيا نظرا للمتغيرات الحاصلة في المنطقة بعد انتهاء الازمة في العراق والتغيرات الميدانية التي حصلت في سوريا ، وان كان الحزب لن يتخلى على دعم القوى الحليفة له في المنطقة اعلاميا وسياسيا وشعبيا

وبالاجمال , نحن اليوم نشهد مرحلة جديدة في مسيرة حزب الله , وسيكون لها الكثير من التداعيات والنتائج داخليا وخارجيا ، وانه رغم الضغوط الاميركية والبريطانية وبعض الانظمة العربية على الحزب، فان حزب الله سيشهد المزيد من التطور والتوسع , وسيكون له دور اساسي في الوضع اللبناني الداخلي في المرحلة المقبلة

قاسم قصير