العدد 1419 / 1-7-2020
قاسم قصير

إشتد التنافس الدولي حول لبنان ما بين اميركا وروسيا والصين، وانتقل الصراع من السرية الى العلنية في ظل ازدياد المواقف الاعلامية والدبلوماسية التي صدرت مؤخرا من مسؤولي هذه الدول ولا سيما بعد الدعوات التي اطلقها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وبعض المسؤولين اللبنانيين للتوجه نحو الشرق في حال فشلت المفاوضات مع الصندوق الدولي.

وكان ملفتا حجم الردود التي اطلقها المسؤولون الاميركيون ردا على مواقف السيد نصر الله ، والسجالات التي حصلت بين الممثلين الدبلوماسيين لهذه الدول حول الوضع اللبناني.

فلماذا يشتد التنافس الدولي حول لبنان؟ والى اين يتجه هذا التنافس وهل سيتحول الى حرب مفتوحة؟

اسباب التنافس الدولي حول لبنان

بداية ما هو سر الاهتمام الدولي بلبنان والاسباب التي تقف وراء هذا التنافس؟

رغم صغر مساحة لبنان على الخريطة العالمية، فانه تحول منذ سنوات طويلة الى ساحة للصراعات الاقليمية والدولية نظرا لموقعه الاستراتيجي شمال فلسطين المحتلة ولحدوده الطويلة مع سوريا ، وبسبب وجود قوى سياسية وحزبية تلعب دورا مهما في هذه الصراعات ولا سيما بعد بروز المقاومة، وقد ازداد الاهتمام الدولي مؤخرا بسبب الحديث عن وجود النفط والغاز في المناطق الاقليمية البحرية اللبنانية.

وقد تنافست عدة دول كبرى من اجل السيطرة على القرار السياسي اللبناني منذ تأسيسه عام 1920 ، وكانت فرنسا الدولة المنتدبة هي القوة الفاعلة في لبنان ومن ثم دخلت بريطانيا واميركا وروسيا على الخط ، اضافة لعدد من الدول العربية والاسلامية، وشهدت الثمانينات في اواخر القرن العشرين صراعا قويا بين الاميركيين والسوفيات ولا سيما بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وحاول الاميركيون فرض سياساتهم على البلد لكنهم واجهوا مقاومة شديدة بدعم سوفياتي – سوري – فلسطيني- ايراني ، واضطروا للانسحاب العسكري ، لكنهم عمدوا للتأثير على الوضع اللبناني بطرق اخرى اقتصادية ومالية وسياسية وتربوية، وكان لهم دور بارز بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.

ورغم ازدياد الدور الايراني وحزب الله وبروز ادوار لدول اخرى كالسعودية ومصر والامارات وقطر وتركيا وفرنسا وبريطانيا في لبنان ، فان الدور الاميركي استمر عبر العلاقة مع الجيش اللبناني والاجهزة الامنية ، ومن خلال عدد كبير من المؤسسات الاميركية الناشطة في لبنان.

وقد جاءات الدعوات مؤخرا للتعاون مع الصين والتوجه نحو الشرق على الصعيد الاقتصادي كي تستفز المسؤولين الاميركيين وتدفعهم لشن هجوم كبير على الصين وايران وحزب الله واتهام الصين بان لديها مصالح خاصة في لبنان، مما دفع السفارة الصينية للرد على هذه التصريحات والتأكيد على ان الصين لا تريد تحقيق اهداف سياسية من وراء التعاون مع لبنان ، وفي المقابل رد السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين على المواقف الاميركية من خلال تصريحات اعلامية معتبرا : انّ الكلام الذي صدر عن السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا لا يختلف عمّا يُدلي به المسؤولون الأميركيون الآخرون في سياق الضغط على لبنان وحزب الله، مشيراً الى انّ واشنطن تُحمّل الحزب مسؤولية الفساد والمأزق الاقتصادي وأزمة النظام المصرفي ووَضع الجمارك والمعابر الحدودية، في حين اننا جميعاً نعرف أنّ الواقع المالي والاقتصادي في لبنان يتأثر كثيراً بالعقوبات الأميركية والقيود على التحويلات، خصوصاً انّ واشنطن تسيطر على الدولار وتتحكّم بإدارة الشؤون المالية العالمية.

وقد احدثت التصريحات التي اطلقتها السفيرة الاميركية مؤخرا وهاجمت فيها حزب الله ودعوتها لتغيير الحكومة اللبنانية ردود فعل قاسية ولا سيما من خلال القرار الذي اصدره القاضي محمد مازح بمنعها من التصريح او نقل مواقفها.

افاق الصراع الدولي حول لبنان

لكن الى اين يتجه الصراع الدولي حول لبنان وهل سيظل محصورا بالقضايا الاقتصادية والسياسية والاعلامية والدبلوماسية او يتحول الى حرب عسكرية مفتوحة؟

مصادر دبلوماسية مطلعة تعتبر: انّ الأميركيين يريدون توظيف الغضب الشعبي والنقمة على الأوضاع السائدة في اتجاه خدمة مصالحهم وأجندتهم السياسية، مشيرة الى انّ واشنطن تحاول أن تدفع لبنان نحو تطبيق إصلاحات على قياس معاييرها، وانّ المقصود من الإصلاحات بالنسبة إليها هو اتخاذ قرارات ضد حزب الله، وان السياسة الأميركية المُتّبعة حيال لبنان تنطوي على دعوة صريحة الى الفتنة وتحريض واضح ضد المقاومة.

وتتخوف المصادر الدبلوماسية من ان يدفع الشعب اللبناني ثمن السياسات الأميركية التي تسعى الى تجويع الناس، وتفجير الأوضاع وصولاً الى الدفع نحو الثورة على السلطة، مشيرة الى ان هذا هو السيناريو الثابت الذي تنفّذه الولايات المتحدة في كثير من البلدان، مع اختلاف في التفاصيل تِبعاً لخصوصية كل دولة.

ولا تخفي المصادر قلقها على مستقبل لبنان المهدّد بخطر الانهيار الاقتصادي والمالي، مُرجّحة ان تكون الاشهر القليلة المقبلة في غاية الصعوبة والخطورة، وداعية الى الصمود وتحصين الصفوف في مواجهة العقوبات الأميركية.

وهل سيكون التوجه نحو الشرق الغاء للدور الاميركي او الغربي في لبنان تجيب المصادر : انّ لكل من سوريا والعراق وايران وروسيا والصين ميّزات يمكن أن تفيد لبنان، من دون أن يعني الانفتاح على الشرق إلغاء التفاعل مع الاتجاه الغربي، ولا يعني تعاون لبنان مع الشرق على حساب تعاونه مع الغرب، بل المطلوب الانفتاح على الجميع دون أن يكون هناك احتكار لأيّ جهة. لكن ما يجري حالياً هو أنّ الغربيين، وفي طليعتهم واشنطن، هم الذين يرفضون مساعدته، ما أدّى إلى أن يصبح خيار الشرق اكثر إلحاحاً.

وعلى ضوء هذه الاجواء, فان التنافس الدولي حول لبنان سيزداد في المرحلة المقبلة وقد لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والمالية والدبلوماسية بل قد يتحول الى حرب عسكرية مفتوحة سواء تحت عنوان التنقيب على النفط او بسبب التطورات المتسارعة في المنطقة والقرار الاسرائيلي بضم الضفة الغربية وغور الاردن، ففي كل منعطف كبير على صعيد القضية الفلسطينية تشتعل الحروب في لبنان والمنطقة.

فهل سينجو لبنان من هذه الحروب المتصاعدة في المنطقة؟