العدد 1387 / 20-11-2019
بسام غنوم

تتسارع التطورات على الساحة اللبنانية بوتيرة سريعة وعلى مختلف الصعد , مايؤشر على خطورة المرحلة الحالية التي يمر بها لبنان ، فمع ارتفاع حدة التجاذب السياسي بين فريق التيار الوطني الحر و "حزب الله" من جهة , و تيار المستقبل من جهة أخرى بعد فشل ترشيح النائب السابق محمد الصفدي لرئاسة الحكومة وصلت الامور بين الطرفين الى مستوى غير مسبوق من تبادل الاتهامات بالكذب وقلة الوفاء والمسؤولية عن الفساد والهدر منذ ثلاثين سنة وحتى الآن ، وهو ما يشير الى عمق الأزمة السياسية القائمة بين الفرقاء السياسيين , هذا على الصعيد السياسي , واما على على الصعيد الديني فان هناك مؤشرات أمنية خطيرة بدأت بالظهور مثل الضغط المتواصل على قائد الجيش من أجل قمع المتظاهرين السلميين رغم المخاطر الكبيرة التي يمكن ان تؤدي اليها هذه الخطوة ، وكذلك سجل ظهور مسلح لما يسمى "سرايا المقاومة" على الخط الساحلي بين بيروت والجنوب ، وهذا مؤشر سلبي آخر على رغبة البعض في دفع الأمور نحو الحرب الأهلية ، وبالنسبة الى الوضع الاقتصادي فان الامور وصلت الى حافة الهاوية بعد تراجع تصنيف لبنان والمصارف اللبنانية الى المستوى السلبي مع توقع المزيد من التراجع في ظل استمرار الأزمة السياسية وعدم الدعوة الى استشارات نيابية من أجل تشكيل حكومة جديدة ، وهذا يدل على ان الوضع في لبنان يتجه بخطى متسارعه الى المجهول على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية .

وهنا يطرح السؤال التالي : في ظل تمسك كل طرف بمواقفه ، هل يسقط لبنان في المجهول ؟

شكل طرح اختيار النائب السابق محمد الصفدي رئيساﹰ للحكومة الجديدة من قبل التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي استفزازاﹰ غير مسبوق للحراك الشعبي المستمر منذ السابع عشر من شهر تشرين الاول الماضي ، ذلك ان هذا الطرح وبغض النظر عن شخصية الوزير الصفدي يشكل انقلاباﹰ بكل مافي الكلمة من معنى على مطالب الحراك الشعبي المتمثلة بتشكيل حكومة انقاذ وطني من اختصاصيين وكذلك اجراء انتخابات نيابية جديدة بقانون انتخابي جديد يضمن تمثيل صحيح لمختلف القوى السياسية ، وبالتالي سقط هذا لاقتراح بضغط من الشارع أولاﹰ وبعد تراجع الرئيس سعد الحريري عن الموافقة عليه ثانياﹰ ، وهو ما ادى الى عودة الامور الى نقطة الصفر على الصعيد الحكومي ورفع مستوى التوتر والمخاطر الى اعلى المستويات .

تزامنت هذه التطورات مع ارتفاع المخاطر على الصعيد الاقتصادي بعد تخفيض وكالة "ستاندار آنذ بورز" للتصنيفات الائتمانية تصنيف ثلاثة مصارف لبنانية هي بنك عودة ، بنك لبنان والمهجر ، بنك البحر المتوسط من B- الى CCC ، وذلك بعد اسابيع من وضع الوكالة الوطنية التصنيف السياسي للبنان قيد المراقبة لخفض محتمل ، وهذا ما ادى الى خوف وهلع بين اللبنانيين على ودائعهم في المصارف وقيامهم بطلب سحب اموالهم منها ، مما ادى الى حالة من الارباك على الصعيد المصرفي واتخاذ جمعية المصارف بالتنسيق مع مصرف لبنان اجراءات لضبط عملية السحوبات خصوصاﹰ بالدولار الأميركي الذي يمثل 70 بالمئة من ودائع اللبنانيين ، وترافق ذلك مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية الى ما يقارب 1820 ليرة لبنانية بينما السعر الرسمي لصرف الدولار هو 1515 ليرة لبنانية ، وادى ذلك الى ارتفاع في اسعار الخدمات والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية ، وهو ما زاد من غضب اللبنانيين على الطبقة الحاكمة التي مازالت متمسكة بمواقفها وترفض الاصغاء الى مطالب الناس .

الا انه ورغم كل ذلك ورغم مايجري في ظل استمرار فريق الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر برفضه لتشكيل حكومة انقاذ وطني ، فان هذا الفريق يدفن رأسه في الرمال ويتحدث عن مخطط اميركي – سعودي لضرب المقاومة في لبنان ويدعو مناصريه الى الاستعداد لمواجهة أزمة طويلة في لبنان وخصوصاﹰ على الصعيدين السياسي والاقتصادي ، ويؤكد لمناصريه ان القادم اسوأ وهذا مؤشر خطر على ماهو قادم الى لبنان في الأيام القادمة .

باختصار ، الوضع في لبنان دخل مرحلة المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات بين الفريق المتمسك بالسلطة وخصوصاﹰ الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر ، والحراك الشعبي الذي يمثل غالبية اللبنانيين ، وباقي الفرقاء السياسيين الرافضين الاستمرار بسياسة الأمر الواقع التي كانت سائدة منذ انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساﹰ للجمهورية . فهل يسقط لبنان مجدداﹰ في المجهول ؟

بسام غنوم