العدد 1402 / 26-2-2020

كأنه لم يكف لبنان واللبنانيين الازمة المالية والاقتصادية التي يكتوون بنارها حتى حلت أزمة فيروس كورونا وما تركته من تداعيات على الصعيد العام اولا لناحية قدرة لبنان على مواجهة هذا الفيروس القاتل ، وثانيا على الجدل الذي اثارته الخلافات حول الاجراءات الواجب اتخاذها تجاه الدول التي ينتشر فيها فيروس كورونا ومنها ايران التي جاءت منها الاصابة الاولى لهذا الفيروس وما تبعه من رفض لوقف الرحلات القادمة من ايران اسوة باجراءات باقي الدول المجاورة لايران مثل الكويت العراق وافغانستان وتركيا وارمينيا التي قررت غلق حدودها مؤقتا لحين تبين حجم انتشار فيروس كورونا في ايران وذلك حرصا على سلامة مواطنيها من هذا الفيروس القاتل .

هذا الجدل الذي اثير في لبنان حول وقف الرحلات القادمة من ايران بسبب فيروس كورونا يكشف حقيقة المشكلة القائمة في البلد على الصعيدين المالي والاقتصادي ، فلبنان الذي يعاني من ازمة خطيرة جدا على الصعيد المالي لم يستطيع حتى الان اتخاذ قرار واضح بواجهة هذه الازمة ، والحكومة اللبنانية ورغم الاجتماعات المتواصلة يوميا لم تستطع حتى الان الوصول الى القرار بالدفع او عدم الدفع في ما يخص سندات اليوروبونز المتسحقة على لبنان في التاسع من شهر اذار القادم والبالغة 1.2 مليار دولار ، وبعثة صندوق النقد الدولي التي تزور لبنان منذ اكثر من اسبوع لمست عدم جدية من المسؤولين اللبنانيين في اتخاذ الاجراءات اللازمة في معالجة الازمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان ، والسبب كما يبدو سياسي بالدرجة الاولى حيث يرفض "حزب الله" استعانة بالصندوق النقد الدولي وبمساعداته لانه يعتبر صندوق النقد الدولي تابعا او تحت نفوذ الادارة الاميركية وبالتالي فان لبنان يعاني صحيا وماليا بسبب مخاوف الفريق الذي يمسك بقرار الحكومة اللبنانية .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : في ظل المخاوف الذي يبديها حزب الله تجاه صندوق النقد الدولي هل هناك امكانية للخروج من الازمة المالية والاقتصادية ؟

في البداية لا بد من التوقف اولا عند التظاهرة التي قام بها الاسبوع الماضي انصار التيار الوطني الحر امام مصرف لبنان المركزي ، وما تبع ذلك من اشتباك وتدافع بين انصار التيار وعناصر الحزب التقدمي الاشتراكي في منطقة كليمنصو بعدما حاول انصار التيار العوني التوجه لمنزل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط .

هذه التظاهرة تكشف حقيقة الواقع القائم على الانكار الذي يمارسه الفريق الممسك بالسلطة ، فهذا الفريق هو المسؤول عن قطاع الكهرباء منذ العام 2005 والذي يعتبر السبب الاول في الحالة التي وصل اليها لبنان لان قطاع الكهرباء يمثل ما يقارب ال 50 بالمئة من الدين العام ، وبالتالي فان التيار الوطني الحر كونه الممسك بهذا القطاع منذ العام 2005 يتحمل المسؤولية المباشرة عن ازمة لبنان المالية والاقتصادية ورغم ذلك يتظهر امام مصرف لبنان ، هذا التناقض في المواقف دفع منسق الخاص للامين العام للامم الامتحدة في لبنان يان كوبيتش الى القول في تغريدة له على "تويتر" ان "نجاح الاجراءات لانقاظ لبنان من الانهيار يبدأ بدعم القوة السياسية الممثلة في البرلمان. هناك ستظهر مصالحها الحقيقية ، وليس في التظاهرات الشعبوية اما المصارف" .

وما ينطبق على التيار الوطني الحر ينطبق ايضا على "حزب الله" حليف التيار وشريكه في السلطة لناحية الاجراءات المطلوبة لخروج لبنان من ازمته المالية والاقتصادية ، وفي هذا الاطار كان لافتا الموقف الصادر عن وزير المالية الفرنسي برونو لومير الذي قال في مقابلة مع وكالة رويترز في ابو ظبي :"نحن مهتمون للغاية" موضحا ان الامارات وفرنسا ستقررنا على نحو منفصل ما اذا كانتا ستسعدان الحكومة في بيروت وسبل ذلك . واضاف :"نحن (في فرنسا) ننظر في خيارات مختلفة ، ربما برنامج لصندوق النقد اذا طلبت الحكومة اللبنانية واحدا ... لكننا لن ندير اي جهة لمساعدة لبنان .. كل دولة ستقرر بطريقة سيادية ماذا ستفعل" ، وهذا الموقف الفرنسي تجاه مساعدة لبنان عبر عنه ايضا وزير الخزانة الاميركي ستيفن منوشين ، ووزير المالية السعودي محمد الجدعان في نهاية اجتماع مسؤولي المالية في مجموعة العشرين الذي قال :"ان المملكة على اتصال ببلدان اخرى لتنسيق اي دعم للبنان على اساس الاصلاحات الاقتصادية " .

فهل تستجيب القوة الممسكة بالسلطة والحكومة لمتطلبات الاصلاح من اجل انقاذ لبنان من ازمته المالية و الاقتصادية ، ام يغرق لبنان ماليا وصحيا بسبب الحسابات الخاصة لفريق الممانعة ؟

بسام غنوم