العدد 1397 / 22-1-2020

كشفت النقاشات والاتصالات بشأن تشكيل الحكومة الجديدة عن حجم الخلافات والصراعات السياسية بين قوى 8 اذار ، والاخطر من ذلك غياب اي مشروع سياسي لهذه القوى لادارة البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

ورغم ان هذه القوى انفردت في ادارة الامور السياسية والعمل لتشكيل حكومة جديدة فانها دخلت في صراعات حزبية وشخصية ولم تقدم النموذج المطلوب لتحالفها السياسي ، وكل ذلك يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى قدرة هذه القوى على الاستمرار في التماسك وتقديم الحلول لمختلف الازمات في المرحلة المقبلة.

فماهي طبيعة الخلافات التي برزت بين قوى 8 اذار؟ وهل ستنجح هذه القوى في تجاوز هذه الخلافات في المرحلة المقبلة؟

طبيعة الخلافات بين قوى 8 اذار

تشير مصادر سياسية مطلعة في قوى 8 اذار : ان الخلافات داخل هذه القوى تعود للصراع السياسي بين عدد من اطراف هذه القوى حول كيفية ادارة شؤون البلاد ومن سيكون الطرف الاقوى في المرحلة المقبلة، فالعلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة وصلت الى اسوأ مراحلها نظرا لان رئيسي التيار يتنافسان على رئاسة الجمهورية المقبلة، كما ان الرئيس نبيه بري لا يرتاح لسعي الوزير جبران باسيل للحصول على الثلث الضامن في الحكومة الجديدة، اضافة الى ان كل حزب او طرف من هذه القوى يريد تثبيت موقعه السياسي والشعبي سواء عبر التمثيل الحكومي او الحصول على حصص وازنة في الحكومة .

وتضيف المصادر : لكن الاخطر في واقع هذه القوى هو غياب اي مشروع سياسي لادارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الخطيرة، فبدلا من ان تقدم هذه القوى مشروعا موحدا لمعالجة ازمات البلاد الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فانها تغرق في السجالات والصراعات وكيفية تحقيق اكبر عدد من المواقع الوزارية وتأكيد دورها السياسي والشعبي والتنافس مع بقية القوى الحليفة وابراز موقعها الطائفي والمذهبي.

وقد ادت هذه الخلافات وفشل هذه القوى في تقديم المشروع السياسي والاصلاحي الى خسارة عدد من اعضائها وتراجع قوتها النيابية، اضافة ال التراجع الشعبي والسياسي.

القدرة على تجاوز الخلافات

لكن السؤال الهام اليوم : هل ستستطيع هذه القوى تجاوز خلافاتها في المرحلة المقبلة ولا سيما بعد تشكيل الحكومة؟ وهل ستقدم هذه القوى مشروعا اصلاحيا لمعالجة الازمات المختلفة التي يواجهها لبنان اليوم؟

من خلال مواكبة النقاشات والسجالات التي برزت خلال مرحلة تشكيل الحكومة فانه من الواضح ان الخلافات بين قوى 8 اذار هي خلافات عميقة ومرتبطة بكيفية ادارة البلاد في المرحلة المقبلة ، سواء على صعيد معركة رئاسة الجمهورية او اية انتخابات نيابية مقبلة ، اضافة لسعي كل طرف في هذه القوى من اجل تعزيز حضوره السياسي والشعبي ، مما يعني ان الخلافات ستظل قائمة ولن تنتهي بتشكيل الحكومة، بل قد تتحول الحكومة الى ساحة جديدة للصراعات بين هذه القوى بدل ان تكون مدخلا لمعالجة مختلف الازمات.

واما عن المشروع السياسي والاصلاحي فلا يبدو ان لدى هذه القوى مشروعا اصلاحيا مشتركا وهناك خلافات عميقة فيما بينها ، سواء على صعيد تحديد طبيعة المشاكل واسبابها ، او على صعيد الرؤية المستقبلية للبنان وكيفية اخراجه من الازمات الحالية، ولذلك فان الخوف الاكبر ان تغرق هذه القوى في المشاكل والخلافات ولا تقدم الحلول المطلوبة للازمات القائمة مما سيفقدها شعبيتها والاكثرية النيابية في اية انتخابات نيابية مقبلة، والاخطر من ذلك ان تستمر الصراعات حول ادارة البلاد ومن سيتصدى لمعركة رئاسة الجمهورية( رغم انه يفصلنا عنها حوالي ثلاث سنوات مبدئيا) وكل ذلك سيحول البلاد والحكومة الى ساحة للخلافات والمشاكل .

وفي الخلاصة فان ما جرى خلال مرحلة تشكيل الحكومة كشف عمق الازمة التي تواجهها قوى 8 اذار وغياب اي فريق اساسي قادر على ادارة البلاد وان المشكلة لم تعد محصورة في الصراع الذي كان قائما بين قوى 8 و14 اذار ودور القوى الخارجية في هذا الصراع ، بل ان هناك خلافات عميقة حتى بين من يفترض ان يكونوا حلفاء وداخل الصف الواحد وكل ذلك يتطلب مراجعة شاملة لكل الواقع السياسي الداخلي والبحث عن حلول للازمة القائمة وبناء تحالفات سياسية وحزبية على اساس المشروع السياسي الاصلاحي وليس على اسس طائفية او مذهبية او حزبية.

قاسم قصير