قاسم قصير

برزت في الأسابيع الأخيرة تباينات واضحة بين حزب الله من جهة والرئيس نبيه بري وحركة أمل من جهة أخرى في عدة ملفات وقضايا سياسية ودينية، ولعل الخلاف حول دعم ترشيح العماد ميشال عون هو إحدى أبرز القضايا الخلافية بين الطرفين. لكن إلى جانب هذا الملف السياسي الساخن بدأنا نشهد بعض التمايزات على الصعيد الفكري والإعلامي والديني، ولا سيما خلال احياء مراسم عاشوراء. فحزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله شنّا حرباً قاسية على «ظاهرة التطبير وضرب الرؤوس» في إحياء ذكرى عاشوراء واتهموا «التيار الشيرازي» (الذي أسسه المرجع السيد محمد الشيرازي) بتشجيع هذه الظاهرة في مواجهته التحريم الذي أصدره قائد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي وعدد من مراجع الشيعة، وأبرزهم المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله والمرجع الراحل السيد محسن الأمين وعلماء آخرون.
وقد لوحظ ان حركة أمل حرصت خلال إحياء عاشوراء على استضافة بعض قرّاء العزاء الذين يشجعون التطبير أو الذين يُعتبرون انهم من مؤيدي التيار الشيرازي.
وقد كان لافتاً حجم الاقبال الشعبي الكبير على مجالس العزاء التي تقيمها حركة أمل أو الجهات القريبة منها كالشيخ عبد الحسين صادق في النبطية الذي استضاف قارئ العزاء الشيرازي الشيخ عبد الحميد المهاجر.
فما هي حقيقة الخلافات والتباينات بين حزب الله وحركة أمل، سواء على الصعيد السياسي أو الديني؟ وإلى أين يمكن ان تصل هذه الخلافات في المرحلة المقبلة؟
بين الخلاف السياسي والديني
يمكن القول ان دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة الأولى هو القضية الأبرز في الخلاف بين الرئيس نبيه بري وحركة أمل من جهة، وبين حزب الله من جهة أخرى. فلم يعد خافياً أن بري كان يفضل وصول النائب والوزير السابق جان عبيد الى الرئاسة الأولى، كما انه كان من الداعمين لترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وهناك خلافات كبيرة بين بري وعون، إن على صعيد النظرة لاتفاق الطائف وإدارة شؤون الدولة، أو على العديد من الملفات كملف النفط وقانون الانتخابات أو حتى على صعيد الصراع النيابي في بعض المناطق الجنوبية وخصوصاً منطقتي جزين والزهراني.
وقد حصلت عدة محاولات للتقارب بين بري والتيار الوطني الحر، وجرى الاتفاق بين بري والوزير جبران باسيل على ملف النفط، لكن الخلافات بين الطرفين لا تزال قائمة، وقد برز ذلك بوضوح خلال الجلسة الأخيرة لطاولة الحوار الوطني وخروج باسيل من الجلسة محتجاً على إدارة بعض الملفات.
وقد دعا بري مراراً لعقد تسوية شاملة أو ما يسميه «الاتفاق على سلسلة القضايا لمرحلة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية»، لكن عون وبعض القيادات المسيحية رفضوا ذلك.
وقد سعى حزب الله إلى تخفيف أجواء التوتر بين بري وعون، ودعا الحزب التيار الوطني إلى التفاهم مع الرئيس بري كي يضمن دعمه لترشيح العماد عون.
ويبدو ان التبني الكامل من قبل حزب الله للعماد عون قد أحدث بعض الشرخ في العلاقة بين الحزب والحركة، وان كان الأمر لم يصل الى حد الصراع.
ولكن الملاحظ انه في موازاة هذا الخلاف السياسي، كانت حركة أمل تنشط في تعزيز حضورها الشعبي ان من خلال احياء ذكرى اختطاف الامام موسى الصدر في صور في 31 آب الماضي، أو عبر مجالس عاشوراء هذا العام والتي تميزت بحضور شعبي كبير، لكن اللافت في هذه المراسم هذا العام مشاركة قرّاء عزاء يتبنون الدعوة الى التطبير (ضرب الرؤوس بالسيوف أو ضرب الأجساد بالسلاسل) وينتمون بمعظمهم إلى ما يسمى «التيار الشيرازي»، وقد أدت هذه المشاركة الى قيام حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله بشنّ حملة قاسية على دعاة التطبير ووصف بعضهم (بالتشيع البريطاني)، لأن من المعروف ان بعض العلماء الشيرازيين يقيمون في لندن وانه تاريخياً كانت المخابرات البريطانية تشجع التيارات المتشددة عند الشيعة، وقد انتقلت الخلافات الى مواقع التواصل الاجتماعي.
كما ان أحد قرّاء العزاء الشيخ عبد الحميد المهاجر شارك في مجلس عزاء مدينة النبطية التي يشرف عليها امام المدينة الشيخ عبد الحسين صادق، والشيخ المهاجر من علماء التيار الشيرازي وهو يدعو الى التطبير، وقد نقلت عنه مواقف منتقدة لحزب الله والمقاومة، والمعروف ان الشيخ عبد الحسين صادق قريب من الرئيس نبيه بري وحركة أمل.
ويبدو ان هناك نقاطاً أخرى خلافية بين حركة أمل وحزب الله، وتبرز هذه الخلافات إما في بعض المناطق والقرى أو في الجامعات أو على الصعيد الإعلامي والفكري والديني، وان كانت قيادتا الطرفين تحرصان دائماً على تخفيف أجواء التوتر ومنع تحول أي خلاف الى صراع مفتوح كما حصل في ثمانينات القرن الماضي.
هل يتحول الخلاف إلى صراع؟
لكن الى أين سيصل الخلاف السياسي والديني بين حزب الله وحركة أمل؟ وهل سيتصاعد هذا الخلاف في الأيام المقبلة، ولا سيما في حال انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أم يمكن التوصل الى تسويات سياسية تساعد في تخفيف أجواء التوتر؟
مصادر مطلعة في حركة أمل وحزب الله لا تنفي وجود بعض التباينات والخلافات، إن على الصعيد السياسي أو الفكري والديني، لكن هذه المصادر تؤكد «ان قيادتي الطرفين تسعيان إلى تخفيف أجواء الخلافات والتوترات والى العمل من أجل الوصول إلى تفاهم بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، ولا سيما بعد حسم مسألة ترشيح الرئيس سعد الحريري للعماد عون للرئاسة الأولى».
وتؤكد هذه المصادر «ان الخلافات القائمة لن تصل الى حد الصراع المفتوح كما حصل سابقاً، لأن التحالف الاستراتيجي القائم بين الحركة والحزب، ولا سيما منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحرب تموز 2006 وخروج السوريين من لبنان والتطورات الحاصلة في المنطقة، فالطرفان يدركان ان حجم المخاطر التي تطالهما بشكل مشترك تتطلب التعاون المشترك، ولو أدى ذلك إلى تقديم بعض التنازلات السياسية أو تراجع أحد الطرفين عن بعض المواقف الحادة».
لكن مصادر مراقبة للأوضاع في الساحة الشيعية تعتبر «ان التباينات التي تحصل بين الطرفين تشير إلى وجود منطقين أو اتجاهين في الساحة الشيعية، سواء على المستوى السياسي أو الديني، وان هذا التباين يستلزم دائماً السعي الحثيث من أجل منع تحوله من خلاف آني فكري أو سياسي أو إعلامي الى صراع مفتوح، خصوصاً أن حركة أمل والرئيس نبيه بري لا يزالان يتمتعان بحضور شعبي كبير في الساحة الشيعية، وانه رغم ضخامة الدور الذي يقوم به حزب الله داخلياً وخارجياً، فإنه لم يستطع تجاوز دور الرئيس بري وحركة أمل في السياسات الداخلية وفي القضايا المحلية وحتى على الصعيد الديني أو الاجتماعي».
وقد توقعت بعض الأوساط المطلعة في حزب الله ان تشهد المرحلة المقبلة زيادة في التواصل بين قيادتي حركة أمل وحزب الله وكذلك بين العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر من جهة والرئيس نبيه بري وقيادة حركة أمل من جهة أخرى, وذلك لتخفيف أجواء التوتر والتوصل الى تسويات واتفاقات في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، ما قد يساعد في تخفيف التوتر بين حزب الله وحركة أمل.
وفي المحصلة يبدو ان الرهان على تحويل الخلافات القائمة اليوم بين حركة أمل وحزب الله الى صراع مفتوح ليس صحيحاً، لكن ذلك لا يلغي استمرار التباين بين الطرفين في العديد من الملفات.