العدد 1337 / 14-11-2018
بسام غنوم

في غمرة انشغال اللبنانيين في الخلاف بين تيار المستقبل و "حزب الله" حول تمثيل النواب السنة المستقلين ، وفي ظل احتدام الساحة الاعلامية حول أحقية تمثيل النواب الستة في الحكومة من عدمه ، والذي أخذ ابعاداﹰ طائفية بعيدة كل البعد عن مضمون هذا الخلاف واسبابه ، انعقد المجلس النيابي تحت عنوان "تشريع الضرورة" من أجل اقرار عدّة مشاريع وقوانين اعتبرها الرئيس بري والرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ضرورية من أجل تسيير العمل في الدولة في ظل تعثر تشكيل الحكومة الجديدة ، وبالتالي كان لا بدّ من انعقاد المجلس النيابي بصورة استثنائية حتى لا تتوقف عجلة الدولة عن العمل .

الا أن هذه الجلسات التشريعية في المجلس النيابي كشفت عن أمرين أساسيين :

الأول وهو أن التوقف الرئاسي كفيل بتقرير كل الأمور السياسية والتشريعية حتى ولو كانت مخالفة للدستور ، وقد اشار الى ذلك الرئيس نجيب ميقاتي اثناء انعقاد الجلسة التشريعية حيث توجه للرئيس نبيه بري بالقول : "كيف يمكن ان نحاسب وزيراﹰ ، وهو مستقيل ؟ ثمة عدم توازن بين السلطات اليوم" ، وهذا الموقف استفز الرئيس بري فقال بنبرة قوية للرئيس ميقاتي : "لا أحد يزداد عليّ وعلى الرئيس الحريري."

اما الأمر الثاني وهو الأخطر على الصعيد المالي والاقتصادي فهو ما كشفه وزير المال علي حسن خليل بعد اقرار فتح اعتماد اضافي بقيمة 75 مليار ليرة لشراء ادوية السرطان ، فتسأل الوزير خليل : "من أين سأتي بالواردات لتغطية هذا المبلغ وليس هناك في احتياط الموازنة اي ليرة ؟ " فردّ عليه الرئيس بري بالقول :"قابل ونص والحكومة مجبورة أن تؤمن الأموال" ، واذا كانت الحكومة مستقلة اصلاﹰ ، ومفاوضات التأليف متعثرة ومتوقفة عند عقدة تمثيل النواب السنة ، اين هي الحكومة التي ستؤمن الأموال ؟

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظلّ فوضى الوقت الضائع الذي تعيشه الدولة هو : هل يمكن للحكومة الجديدة ان تصلح الوضع الاقتصادي وتكافح الفساد اذا كان العمل في الحكومة والمجلس النيابي على هذا المنوال ؟

في البداية لابد من التذكير بنقطة هامة وهي ان هناك اجماع بين كل القوى السياسية في لبنان ان تشكيل الحكومة الجديدة ضروري جداﹰ من أجل انقاذ الوضع الاقتصادي المتردي ، والرئيس بري قال أن امامنا اسابيع وليس شهوراﹰ من أجل منع الانهيار الاقتصادي ، ورئيس حزب التقدمي وليد جنبلاط توجه الى السيد حسن نصر الله بالقول بعد خطاب السيد حسن عن ضرورة تمثيل النواب السنة المستقلين :"أتوجه اليك كمواطن عادي من أجل التأكيد على الحوار على نقطة واحدة فقط في منع الانهيار الاقتصادي والجوع ، بعيداﹰ من الصواريخ وايران وسوريا" .

والرئيس سعد الحرري يكرر دائماﹰ ان التأخير او عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة قد يؤدي الى ضياع القروض التي قدمت للبنان من اجل انعاش اقتصاده في مؤتمر سيدر 1 الذي عقد في باريس في 6 نيسان 2018 والذي اقرّ مساعدات وقروضاﹰ بقيمة 11,8 مليار دولار ، وبالتالي فان انقاذ الوضع الاقتصادي من الانهيار هو النقطة الاساسية والاولى على جدول أعمال الحكومة الجديدة المتعثر تأليفها لحدّ الآن .

لكن هل يمكن لهذه الطبقة السياسية الحاكمة ان تنقذ لبنان من الانهيار الاقتصادي ؟

في آخر تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي في لبنان شدّد التقرير أن ليس باستطاعة لبنان المضي بعجز مزدوج في الميزان التجاري وفي المالية العامة والاستمرار بتمويلها من خلال التحويلات الخارجية ، فلبنان يحلّ في المرتبة 80 عالمياﹰ في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الامم المتحدة ، ويقع في المرتبة 143 عالمياﹰ في ترتيب الاكثر فساداﹰ ، ولدينا أعلى نسبة خدمة دين في العالم كنسبة من واردات الدولة ، ولدينا ثالث أعلى دين عام كنسبة من الناتج المحلي .... الخ ، وجزء كبير من الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان حالياﹰ هو بسبب اقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي رتب اعباء كبيرة على الخزينة اللبنانية حيث كانت التقديرات الأولية للسلسة هي 1200 مليار ليرة ، لكن بعد تطبيق السلسلة تجاوزت الكلفة اﻟ 2000 مليار ليرة ، وتبين ان الدولة لا تعرف العدد الحقيقي للموظفين والاجراء والمتعاقدين في القطاع العام ، وتراجعت ايرادات الدولة رغم الضرائب التي تم فرضها لتحويل السلسة ، وعندما سئل الرئيس بري الهيئات الاقتصادية عن أفضل وأسرع حلّ للأزمة الاقتصادية قالوا له التراجع عن تطبيق سلسلة الرتب والرواتب التي تم الموافقة عليها لأسباب انتخابية وشعوبية وبعيداﹰ عن قدرة لبنان الاقتصادية والمالية .

باختصار ، تشكيل الحكومة الجديدة لن ينقذ لبنان من أزمته الاقتصادية لأن الانهيار أو التعثر الاقتصادي الذي يعيشه لبنان هو ناتج عن الطبقة الفاسدة ، وما يجري على الساحة السياسية هو مجرد صراع على المصالح لا أكثر ولا أقل .

بسام غنوم