بسام غنوم

أرخت قضية الفنان زياد عيتاني بثقلها على مجمل الساحة اللبنانية التي تعيش هذه الأيام بظل التحضيرات للانتخابات النيابية وما يرافقها من مواقف وتصريحات انتخابية ساخنة.
وإذا كان الوقت في وقت حديث الانتخابات، فإن الكشف عن فضيحة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني واتهامه بالعمالة لإسرائيل من قبل المسؤولة السابقة عن قسم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي المقدم سوزان الحاج فتح الباب واسعاً أمام التساؤل أولاً عن مدى حياد الأجهزة الأمنية والقضائية في لبنان، وأثار التساؤل ثانياً عن الخلفيات الطائفية والمذهبية التي يتحرك بها المسؤولون في الدولة بعدما تحولت فضيحة الفنان زياد عيتاني من قضية أمنية - قضائية الى قضية طائفية بامتياز. وقبل ذلك كله بعد فضيحة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني، هل يمكن القول إن هناك شفافية أمنية وسياسية وقضائية عشية الانتخابات النيابية المقررة في السادس من شهر أيار القادم؟
هذه التساؤلات لا بدّ أن تدفع اللبنانيين إلى التساؤل عن طريقة إدارة الأمور في البلد: هل تدار الأمور من قبل المسؤولين في الدولة بعيداً عن الحسابات الطائفية والمذهبية قبل ذلك بعيداً عن الحسابات الشخصية والسياسية للمسؤولين، وهل فضيحة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني هي القضية الوحيدة، أم هي رأس جبل الجليد في ملف الفساد المستشري في إدارات الدولة؟
قبل الحديث عن فضيحة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني المعتقل بتهمة العمالة للعدوّ الإسرائيلي منذ شهر تشرين الثاني 2017، لا بدّ من التوقف أولاً عند ملف شديد الخطورة والحساسية كشفت عنه شركة «لوك أوت» للمعلوماتية في شهر كانون الثاني الماضي، حيث نقلت وكالة رويترز عن شركة «لوك أوت» المتخصصة في أمن الهواتف المحمولة ومؤسسة «إلكترونيك فرونتير» المعنية بالحقوق الرقمية في تقرير مشترك أن المديرية العامة للأمن العام في لبنان أدارت أكثر من عشر حملات على الأقل منذ عام 2012 تستهدف أساساً مستخدمي الهواتف التي تعمل بنظام التشغيل أندرويد.
وأضاف التقرير أن الباحثين وجدوا «أدلة تقنية تربط الخوادم المستخدمة لإدارة الهجمات بمقر المديرية العامة للأمن العام في بيروت من طريق تحديد مواقع شبكات إنترنت لاسلكي (واي فاي) وعنوان بروتوكول إنترنت داخل أو بالقرب من المبنى».
ورداً على سؤال من رويترز عن المزاعم الواردة في التقرير، قال اللواء عباس إبراهيم، المدير العام لمديرية الأمن العام، إنه يريد الاطلاع على التقرير قبل التعليق على مضمونة.
واللافت أن هذه القضية الأمنية الحساسة التي تمسّ خصوصية اللبنانيين وأمنهم والموثقة من جهات فنية وصحافية تتمتع بالصدقية مرت مرور الكرام سواء في مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي ولم يحقق القضاء اللبناني فيها، لا من قريب أو بعيد، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى الاستخفاف بأمن اللبنانيين وخصوصيتهم التي يكفلها الدستور اللبناني.
في هذا السياق، يمكن الحديث عن فضيحة ملف الفنان زياد عيتاني المتدحرجة والتي كُشف عنها بعد تحويل ملف زياد عيتاني من جهاز أمن الدولة إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بناءً على إشارة قضائية من القاضي رياض أبو غيدا للاشتباه في أن المقدم سوزان الحاج قد «استعانت بقرصان معلوماتية لتلفيق تهمة التواصل مع فتاة إسرائيلية للممثل زياد عيتاني».
ونقلت صحيفة النهار عن أوساط قريبة من التحقيق في شعبة المعلومات أن «التهمة أصبحت مثبتة على المقدم سوزان الحاج حبيش وأن شعبة المعلومات تمتلك رسائل صوتية عبر تطبيق الواتس آب في هذا الشأن».
وبغضّ النظر عمّا ستصل إليه فضيحة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني، فإنها تؤكد أن هذا الملف ليس هو الملف الوحيد، وأن هناك ملفات أخرى بحاجة لإعادة النظر فيها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ملف الموقوفين الإسلاميين الذي يشمل ما يقارب 1300 موقوف معظمهم أُوقف منذ سنوات وفق وثائق اتصال من مخبرين، فضلاً عن أن كثيراً من الموقوفين الإسلاميين الذين تجري المماطلة في محاكمتهم يمكن أن يخرجوا من السجن لقضائهم مدداً أطول من المدد التي يمكن أن يحكموا بها، ورغم ذلك يؤجَّل الملف الخاص بالموقوفين الإسلاميين لأسباب سياسية تتعلق بما يسمى «الحرب على الإرهاب» الجارية في المنطقة، ودون مسوغ قانوني. والأخطر من ذلك كله، ما يجري حالياً من تسييس لملف العفو عن الموقوفين الإسلاميين تحت عنوان أن بعضاً من هؤلاء متورط في قتل عناصر من الجيش اللبناني، والقضية الأبرز في هذا الصعيد قضية موقوفي أحداث عبرا التي وقعت بين جماعة الشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني والتي ثبت فيها مشاركة فريق ثالث في الاشتباكات بالصوت والصورة وعبر الشهود، ومع ذلك يجري تغييب دور الفريق الثالث المتورط في أحداث عبرا ويحكم سلفاً على الموقوفين بتهمة قتل عناصر الجيش اللبناني.
والأغرب من ذلك هو الحديث عن أن العفو العام سيشمل المئات من المتهمين بالعمالة للعدوّ الاسرائيلي بحجة غلق هذا الملف الحساس، مع أن هؤلاء العملاء خانوا الوطن أولاً، وقتلوا وعذبوا لبنانيين، وقتلوا عناصر من الجيش اللبناني، ومع ذلك وبسبب الحسابات الطائفية والمذهبية يدخلون في ملف العفو العام القادم.
باختصار، ميزة لبنان في هذا الشرق هي حماية الحرية وحقوق الإنسان، ويبدو أن لبنان فقد الكثير من حرياته وحقوق إنسانه من أجل حسابات طائفية ومذهبية ضيقة. فهل هذا هو لبنان الجديد؟}