وائل نجم

 الأسبوع الجاري افتتح على سلسلة إضرابات تواصلت على مدى الأيام الماضية وشاركت فيها «هيئة التنسيق النقابية»، والاتحاد العمالي العام، ونقابة المعلمين، ورابطة الاساتذة في التعليم الثانوي، وغيرهم الكثير في القطاع العام للمطالبة بصرف الرواتب وفقاً للقانون الجديد المعروف بقانون السلسلة، والذي أقرّه المجلس النيابي مع قانون آخر سُمّي قانون الضرائب، وهو الذي أقرّ لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وطعن به عشرة نواب أمام المجلس الدستوري، وقبل المجلس الطعن، وقرر إبطال القانون بشكل كامل.
إبطال المجلس الدستوري لقانون الضرائب وضع الحكومة أمام أزمة لم تكن تتوقعها. فتمويل صرف الرواتب للموظفين كان من المفترض أن يأتي وفقاً لرؤية الحكومة من خلال قانون الضرائب، أمّا وقد أبطل المجلس الدستوري القانون، فمعنى ذلك أن الحكومة لم تعد تستطيع تمويل السلسلة منه، وهو ما وضعها أمام تحدي تأمين التمويل لصرف الرواتب وفق القانون الجديد.
هذا الواقع الذي نشأ بعد إبطال قانون الضرائب، وعجز الحكومة عن تأمين الأموال اللازمة لصرفها للموظفين، جعل الهيئات النقابية والموظفين في القطاع العام يخشون تعليق العمل بقانون السلسلة، أو ربما إلغاء القانون بعد تعذّر تأمين التمويل، وهنا بادرت هذه الهيئات والنقابات إلى التحرك الفوري والاضراب والاعتصام للضغط على الحكومة من أجل دفعها إلى صرف الرواتب وفق قانون السلسلة، ولمنعها من تعليق العمل بالقانون أو للتراجع عنه، وبالتالي حرمان الموظفين حقوقهم.
وزير المالية علي حسن خليل أكد في معظم تصريحاته التي أدلى بها أن السلسلة حق، ولكنه في المقابل كان يقول إنه لا يستطيع أن يصرف هذا الحق من الأموال الموجودة في الحكومة إلا إذا وافق مجلس الوزراء على ذلك.
ورئيس الحكومة سعد الحريري أيضاً قال في معظم تصريحاته أن السلسلة حق، ولكن لا يمكن صرف أي  حقوق ما لم يتوافر التمويل اللازم لها، لأن من شأن ذلك التأثير في المالية العامة للدولة. وفي كلا الحالين ذلك يعني أن هذا الحق قد يكون معلقاً في أحسن الأحوال.
والحقيقة أن هذا الواقع حشر العهد والحكومة في زاوية ضيقة، وكشف أن مقاربة هذا الموضوع ليست بالقدر الكافي، ولا بالمسؤولية التي تضع الحلول الفعلية. لقد كشف هذا الواقع الجديد بعد إبطال قانون الضرائب أن العهد والحكومة لم يقاربا هذا الملف بمنطق علمي ومسؤول، أو من موقع رجال الدولة، بل من موقع المحسوبيات والسمسرات والصفقات التي سرعان ما انهارت عند أول محطة.
والحقيقة أن المسألة تعود في جزء منها إلى الخروج عن مبدأ الصلاحيات التي أنيطت بكل مؤسسة من مؤسسات الدولة. وقد لاحظ الجميع كيف أن بعض المؤسسات أرادت أن تحل محل مؤسسات أخرى، أو أن تهيمن عليها من خلال فرض رؤى ونظريات خاصة، وهو ما أوصل إلى هذا المعطى اليوم.
لقد فشلت الحكومة في اجتماعين، في ايجاد حل لهذا الواقع الجديد، وانتظرت عقد جلسة في قصر بعبدا لإيجاد المخارج، وحسناً فعلت بانتظار تلك الجلسة حتى لو كان البلد يعيش حالة الشلل، فكما كان الجميع شركاء في الوصول إلى المأزق من خلال تبنّي بعض السياسات المالية والاقتصادية، فيجب أن يكون شريكاً في أيجاد الحل. والحل في الاصل يكون في ترك المؤسسات تعمل عملها، دون تجاوز صلاحياتها.
لقد كشفت هذه الازمة حجم الفساد المستشري في الدولة. فأحد القضاة في المجلس الدستوري يرد على أحد الصحفيين عندما سئل عن تمويل السلسلة بعد إبطال قانون الضرائب قائلاً: «الدولة معا مصاري كتيييير». أين تلك المصاري عند الدولة وعند الطبقة السياسية؟ أين وضع حد للهدر المالي على السفرات الخارجية التي يشارك فيها القريب والصديق والذي له لزوم والذي ليس له لزوم. أين وضع حد للفساد في مؤسسات الدولة والمرفأ والمطار والكثير من المرافق تعمل وفق مزاجية واستنسابية الذين يشرفون عليها؟! أين وضع حد للتهرب الجمركي من خلال استيراد البضائع عبر سورية ومن ثم توريدها إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية ودون ضرائب أو رسوم جمركية؟! كمّ هائل من الاسئلة التي تطرح عن الفساد والمحسوبية والاستنسابية والرشوة والهدر وغيرها من الأمور، وبعد كل ذلك يسألونك من أين تُموَّل السلسلة؟
حكومة وعهد استعادة الثقة بالدولة لا يبدو أنهما يعملان لاستعادة ثقة المواطن بدولته، بل يجري العمل من منطلق المصالح الخاصة، والاستنسابية، والفعل وردّ الفعل، وهذا لا يبنى بلداً ولا يستعيد ثقة.}