بسام غنوم

في خضم الانتخابات البلدية والاختيارية الجارية حالياً في لبنان، انشغل الوسط السياسي بملف التوطين الذي أثاره وزير الخارجية جبران باسيل مجدداً في مجلس الوزراء بناءً على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي أعده في 21 نيسان الماضي، في إطار التحضير للاجتماع الدولي في شهر أيلول المقبل حول «التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين». وقد تبلغت الخارجية اللبنانية مضمون التقرير في 9 أيار الجاري ورأت ان فيه بعض النقاط التي تشكل ثغرة يمكن الولوج منها وتفسيرها على أنها مقدمة لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان.
واللافت في الأمر أن الوزير باسيل تعمد إثارة الموضوع في مجلس الوزراء بطريقة فيها الكثير من الإثارة الطائفية، وهو ما أثار استياء رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي أبدى انزعاجه من كل الإثارة التي ترافق كل ملف يطرح، بما يخضعه للمزايدات ويخرجه عن إطاره الموضوعي، ولا سيما في الملفات الدقيقة والحساسة مثل موضوع التوطين.
وإذا كان رفض التوطين محلَّ إجماع لبناني، وإن كان من منطلقات مختلفة بحسب الخلفية الطائفية والمذهبية للبنانيين، فإن الرئيس سلام أعاد تأكيد الموقف اللبناني الرافض للتوطين أمام مؤتمر القمة العالية للعمل الإنساني الذي عقد في اسطنبول الأسبوع الماضي، وهو موقف ينسجم مع إجماع اللبنانيين، ويقطع الطرق على كل من يحاول استغلال موضوع توطين اللاجئين السوريين في لبنان طائفياً ومذهبياً، وفي إطار الاستغلال السياسي، وخصوصاً في ظل الدوامة السياسية التي يعاني منها لبنان واللبنانييون، المرتبطة بالاتفاق على قانون للانتخابات النيابية وعلى انجاز الاستحقاق الرئاسية الذي أصبح رهينة الحسابات الطائفية للبعض والالتزامات الإقليمية للبعض الآخر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هناك خطر فعلي للتوطين، أم ان الأمر مجرد فقاعة سياسية وطائفية يجري استخدامها في الصراع السياسي حول قانون الانتخابات والاستحقاق الرئاسي؟
قصة التوطين في لبنان قصة طويلة وهي انطلقت مع نزوح الأخوة الفلسطينيين إلى لبنان في عام 1948 بعد تهجرهم من فلسطين على أيدي العصابات الصهيونية، ووصلت الآن إلى موضوع اللاجئين السوريين الفارين من جحيم المعارك في سوريا إلتي تشارك فيها حزب الله إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، ويتحمل المسؤولية المباشرة عن نزوح عشرات آلاف السوريين إلى لبنان، وخصوصاً من مناطق القصير والزبداني وريفي دمشق وحمص على وجه التحديد، وبالتالي يجب أن يُسأل حزب الله أولاً وهو الممثل في الحكومة اللبنانية عن مسؤوليته في موضوع النزوح السوري إلى لبنان، قبل توجيه الاتهامات الطائفية والمذهبية التي يحرص عليها الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر إلى أهل السنّة في لبنان على انهم يقبلون بشكل أو بآخر بتوطين اللاجئين السوريين في لبنان، لأن ذلك يُساهم في زيادة تعداد أهل السنّة.
هذا الموقف الطائفي والمذهبي الذي يحرص على اثارته بصورة دائة ومتكررة بمناسبة أو بغير مناسبة الوزير جبران باسيل، أثار انزعاج الرئيس سلام كثيراً في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي أثار فيها وزير الخارجية جبران باسيل موضوع توطين اللاجئين السوريين في لبنان من باب التقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول: «التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين» والمعد للمناقشة في المؤتمر الدولي الذي سيعقد في شهر أيلول المقبل، والذي يطاول ربع مليار لاجئ أو نازح في مختلف مناطق العالم ولا يتطرق بصورة مباشرة إلى موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، وقد أكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ للوزير جبران باسيل «ان موقف الأمم المتحدة واضح ولن يتغير. والحل لوضع النازحين السوريين هو بإيجاد حل سياسي للصراع في سوريا. والأمين العام وأنا شخصياً، نود منكم تأكيد هذا الأمر، أننا لم نطلب في أي وقت تسوية دائمة أو تجنيس السوريين النازحين أو الفلسطينيين في لبنان»، وأضافت مؤكدة أن «التقرير عالمي، وهو عام بطبيعة، ولا يتوجه إلى لبنان بأي شكل أو طريقة، ولا يتحدث عن أزمة النازحين السوريين بشكل خاص».
ورغم التوضيحات الدولية التي تولتها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، وموقف السفير الأميركي ريتشارد جونز الذي أكد رفض الولايات المتحدة لموضوع توطين السوريين، ورغم المواقف الصريحة والواضحة التي عبر عنها الرئيس سلام حول الموضوع في مجلس الوزراء وفي كل لقاءاته مع المسؤولين الدوليين في لبنان والخارج وآخرها في مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني في اسطنبول حيث أكد في كلمته في المؤتمر «ان لبنان ليس بلداً لتوطين الآخرين على أرضه»، فإن مسلسل الحديث عن فزاعة التوطني ما زال مستمراً بقوة وبالعناوين الطائفية والمذهبية التي يجري استغلالها في الصراع السياسي الدائر في البلد حول قانون الانتخاب وحول الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يؤكد ان فزاعة التوطني التي جرى استغلالها سابقاً في أيام الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975 والمتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، والتي يجري استغلالها حالياً بخصوص النازحين السوريين إلى لبنان انما هي وسيلة سياسية وطائفية لا أكثر ولا أقل لتحقيق مكاسب سياسية على حساب باقي اللبنانيين، وقد أكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن «لا خطر توطين في لبنان ونستطيع تنظيم الأمور بانتظار الحل السياسي، ولا داعي لمواقف عنصرية ضد الشعب السوري».
باختصار لا خطر توطين في لبنان ولا من يحزنون، لكن بعض اللبنانيين الغارقين في حساباتهم الطائفية والسياسية، يستغلون فزاعة التوطين لشد العصب المسيحي حولهم لا أكثر ولا أقل. فهل يدرك هؤلاء ان الإثارة الطائفية والمذهبية سيف ذو حدين؟