قاسم قصير

خلال جلسات الحوار الأخيرة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، أُعيد النقاش مجدداً الى اتفاق الطائف واستكمال بنوده التي لم تطبق، وخصوصاً مجلس الشيوخ، وجرى الاتفاق بين المتحاورين على إعادة البحث في هذا الموضوع وتشكيل لجنة تمثل الزعماء المتحاورين لوضع بعض الأفكار والاقتراحات من أجل تشكيل مجلس الشيوخ.
فهل مجلس الشيوخ فقط هو البند الذي لم يطبق من اتفاق الطائف؟ أم أن هناك بنوداً أخرى لم تطبق أو تحتاج لاستكمال تطبيقها؟ وهل لا يزال اتفاق الطائف صالحاً للتطبيق اليوم وبعد مرور نحو 27 سنة على توقيعه، أم أننا نحتاج اليوم إلى اتفاق جديد يأخذ في الاعتبار التطورات والمعطيات المتغيرة ويستفيد من تجربة ما طبق من اتفاق الطائف خلال السنوات الماضية؟
ما لم يُطبَّق من اتفاق الطائف
بداية، ما أبرز البنود التي لم تطبق من اتفاق الطائف؟ وما الملاحظات العملية على البنود التي طبقت حتى الآن؟
يقول الرئيس حسين الحسيني (وهو الذي يوصف بأنه أبو الطائف) في حوار صحافي: ان هناك خمسة بنود أساسية لم تطبق من اتفاق الطائف حتى الآن، وهذه البنود هي:
1- وضع قانون انتخاب جديد (على أساس النسبية مع اعادة تقسيم المحافظات)، كي يؤمن برلمانية النظام والمراقبة والمحاسبة، إذ لا سلطة بلا مسؤولية.
2- نقل السلطة من رئيس الجمهورية الشخص الى مجلس الوزراء المؤسسة التي تنعقد برئاسة رئيس الجمهورية ساعة يشاء، وله في النظام اللبناني صلاحيات وسلطات كابحة عديدة تضمن حسن سير العمل في مؤسسات الدولة، مع الإشارة الى ان الدستور لم ينقل الصلاحيات من رئيس الجمهورية الشخص إلى رئيس مجلس الوزراء الشخص بل إلى مجلس الوزراء المؤسسة.
3- قانون السلطة القضائية المستقلة المقرَّرة في الدستور حيث يقوم النظام على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
4- قانون الدفاع الوطني وفقاً لأحكام الدستور الذي ينص على أن رئيس الجمهورية يرأس مجلس الدفاع الأعلى، أي انه أصبح مؤسسة دستورية وفقاً للدستور ومن الواجب وضع هذا القانون وتبيان صلاحياته ووضع نظامه الداخلي.
5- خطة التنمية الشاملة التي وضعها الدستور في مقدمته وفي الميثاق الوطني.
إضافة إلى هذه البنود الأساسية، كان من المفروض تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي تضع خطة عمل لإلغاء الطائفية السياسية، ومن ثم وضع قانون انتخاب على أساس غير طائفي، وفي ضوء ذلك يُنشأ مجلس الشيوخ الذي تتمثل فيه العائلات الروحية (الطائفية) وتنحصر صلاحياته في بحث القضايا المصيرية.
وأما عن تقويم ما جرى تطبيقه من اتفاق الطائف، فإن العديد من الأوساط السياسية والدستورية والقانونية اللبنانية قد وضعت دراسات مطوَّلة حول الاشكالات التي رافقت عملية التطبيق منذ عام 1989 وحتى اليوم، وقد كشفت السنوات الماضية عن وجود العديد من الثُّغر إن على صعيد صلاحيات رئيس الجمهورية، أو كيفية تشكيل الحكومة، أو لجهة انتخاب رئيس الجمهورية، أو متابعة اقرار القوانين، وهناك ملاحظات تفصيلية برزت من خلال عمليات التطبيق، وكذلك هناك ملاحظات أساسية تطاول كل الاتفاق وكيفية التعاطي معه من قبل القوى الحزبية ومختلف الجهات الفاعلة.
ويقول النائب طلال ارسلان، في تصريح له، ان اتفاق الطائف صُمِّم على قياس رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ووجود الدور السوري في لبنان، وبعد اغتيال الحريري وخروج السوريين من لبنان، تعطل تطبيق الاتفاق.
أما رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، فيعتبر في لقاء خاص له مع وفد من ملتقى الأديان والثقافات، ان اتفاق الطائف انتهى مفعوله بعد سنتين على توقيعه لأنه كان يتناسب مع لحظة سياسية معينة، وعندما انتهت هذه اللحظة لم يعد الاتفاق لباساً، كذلك فإن قوى شعبية فاعلة اليوم في الحياة السياسية (حزب الله، القوات اللبنانية، التيار الوطني) لم تكن موافقة على الاتفاق ولم تشارك في وضعه، لذا لم يعد الاتفاق يحظى بموافقة كل الشعب اللبناني.
استكمال التطبيق أم اتفاق جديد؟
في ضوء الملاحظات والاشكالات التي أوردناها حول النقاط التي لم تطبق من اتفاق الطائف أو الملاحظات حول ما طُبق منه، فهل يمكن استكمال تطبيق الطائف أم هناك حاجة لاتفاق جديد؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من الإشارة بداية إلى اننا نعيش في واقع سياسي مأزوم في ظل التمديد لمجلس النواب وعدم انتخاب رئيس للجمهورية وتعطل معظم المؤسسات الدستورية والرقابية، والفشل في وضع قانون انتخاب جديد وعدم اقرار الموازنة العامة لأكثر من عشر سنوات، ما يؤكد ان النظام اللبناني يواجه مأزقاً كبيراً بغض النظر عن تطبيق الطائف كاملاً أو عدم تطبيقه.
كذلك في خلال السنوات العشر التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واجه لبنان أزمات سياسية وأمنية كبيرة، ما أدى إلى انعقاد مؤتمر الدوحة عام 2008 ووضع ما سمي «اتفاق الدوحة» لتسهيل الانتخابات الرئاسية واجراء الانتخابات النيابية. وتشكيل حكومة جديدة، فضلاً عن ان معظم الحكومات التي شكلت واجهت عقبات ومشاكل عديدة. ويضاف إلى ذلك النقاش حول سلاح حزب الله ومستقبل المقاومة ودور الحزب الخارجي.
إذن، نحن أمام مأزق سياسي كبير، وحتى لو تم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن ذلك لا يعني أن الأزمة ستنتهي إذا لم يحصل الاتفاق على تصور كامل للحل.
وفي ضوء هذه المعطيات، أصبح واضحاً ان لبنان بحاجة لعقد مؤتمر لمراجعة اتفاق الطائف وبحث ما طبِّق وما لم يطبق وكيفية الخروج من الأزمة القائمة اليوم، وإذا كان البعض لا يفضل تسمية هذا المؤتمر بالمؤتمر التأسيسي أو لا يفضل الحديث عن اتفاق جديد، فعلى الأقل ينبغي العمل لمراجعة كل المرحلة الماضية وتحديد الأمور التي لم تطبق من الاتفاق، وكذلك تقويم كل البنود التي طبقت والثُّغر التي برزت، وخصوصاً على صعيد تفسير الدستور اللبناني والهيئة التي يمكن الرجوع إليها عند الاختلاف حول نصوص الدستور وصلاحيات المؤسسات التي أُنشئت كالمجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وكيفية مواجهة الإثراء غير المشروع.
يوماً بعد يوم، تنكشف الأزمة التي يواجهها النظام السياسي في لبنان، ورغم حالة الاستقرار الأمني النسبية التي يتمتع بها لبنان في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، فإن ذلك لا يعني ان لبنان قد لا يتعرض لأزمة أمنية أو عسكرية إذا توافرت الظروف المناسبة.
كل ذلك يؤكد الحاجة لمؤتمر وطني شامل يبحث كل الأوضاع ويُسهم في حماية الاستقرار وتطوير النظام السياسي اللبناني، وإلا فإننا سنكون أمام المزيد من الأزمات والمشكلات في المرحلة المقبلة.