وسام الحجار

يصادف هذا الاسبوع ذكرى مرور ثلاثة وسبعين عاماً على استقلال الجمهورية اللبنانية، هذه المناسبة الوحيدة التي يجتمع عليها اللبنانيون بجميع مكوناتهم الطائفية والعرقية والإثنية، بكافة اختلافاتهم وتناقضاتهم .
تمر هذه المناسبة بعد أن تم خرق جدار التعطيل الرئاسي والجمود المصطنع لأكثر من عامين ونصف العام، لتأتي في ظل وجود رئيس جمهورية منتخب، يحتمي بتوافق صوري، وخلفه تيار قوي يمثل أكبر كتلة مسيحية في البرلمان، فيكون الرئيس الوحيد الذي هُجِّر من قصر الرئاسة تحت نيران الطائرات والدبابات، ليعود اليه فاتحاً منتصراً يعتلي فرساً أبيض، يحقق حلمه في اعتلاء كرسي الرئاس الذي كان يراوده لاكثر من عقد ونصف.
تمر هذه المناسبة والبلد لا يزال يخضع لوصايات خارجية وداخلية، رغم الصورة الوردية التي أريد له أن يظهر بها الى العالم عقب انتخاب الرئيس، وبعد تكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة وفاق وطني جديدة تحظى باجماع اللبنانيين، تمرّ الذكرى وأسرى الجيش اللبناني لا يزالون مختطفين من قبل تنظيم الدولة «داعش»، تمرّ والبلد لا توجد في كهرباء، انما يوجد فيه مافيات للمولدات، تمرّ ولا توجد مياه للشرب، ومياه الانهار تنساب بسلام لتعانق أحضان البحر الأبيض المتوسط.
تمرّ هذه الذكرى ومعضلة النفايات المتراكمة في الازقة والطرقات أصبحت تراثاً وطنياً لا يمكن أحداً التنبؤ بحلها الا الله واصحاب المصالح والزعماء في لبنان، لتبقى صحة المواطن اللبناني هي الوحيدة التي تدفع الثمن. 
تعود هذه الذكرى وجيوش الطوائف تستعرض قواها على أرضه وأراض احتلها بعضهم أمام أعين وعدسات الكاميرات، بكل جرأة ووقاحة، حتى أصبح في هذا البلد لكل طائفة جيش ولكل عشيرة ميليشيا، ولكل ميليشيا عرض عسكري، ليزداد تفريخ أصحاب القمصان السود  وينتشروا في  كل شارع وزقاق.
تمرّ هذه المناسبة ولبنان الرسمي الذي أعلن النأي بنفسه عما يحصل في شقيقته الكبرى سوريا، يغض الطرف عما يقوم به أحد أكبر مكونات الحلف الحاكم فيه، بقتل الشعب السوري الأعزل بوحشية ودون رأفة، إرضاءً لرغبات وأوامر طائفية صادرة من أرباب نعمته في الخارج. 
تعود هذه الذكرى وأبناء وطني يهدّدون النازحين السوريين في مخيمات اللجوء في الريحانية بالتشريد من جديد، بعد أن لجأوا اليه هرباً من براميل الموت الهمجية،  وفي مكان آخر يقيمون جداراً للفصل العنصري حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينين، ليزيدوا على مأساتهم مآسي ويضيفوا إلى عذابتهم آلاماً، عوض ان يقدموا لهم التسهيلات ويعملوا على دمجهم في البيئة المحيطة بهم، الى حين عودتهم الى أرضهم التي هجروا منها قسراً وظلماً في فلسطين.
تأتي هذه المناسبة والعالم يمرّ بحالة ترقب وانتظار بعد انتخاب المرشح الجمهوري  دونالد ترامب  رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، والوعود والعهود المجنونة التي أعلنها في حملته الانتخابية والتي جعلت من فوزه صدمة كبيرة هزت الولايات المتحدة داخلياً كما هزت العالم كله، حتى ظن الناس ان حرباً عالمية تطرق الأبواب، وأن نهاية العالم سوف تكون على يدي هذا الرجل المجنون.
تحل هذه المناسبة الوطنية والمنطقة كلها تقع على فوهة بركان مشتعل، من اليمن الى العراق فسوريا وفلسطين ومصر وليبيا، ولا بوادر للحل تظهر في الأفق.
ياتي الثاني والعشرون من تشرين الثاني يوم استقلال لبنان عن الفرنسيين هذا العام والكثير من الشباب الوطني  يكفر بهذا التاريخ وبهذه المناسبة وبهذا البلد، ليصبح حلم كل فرد منه ان يهاجر ويحصل على جنسيّة جديدة، حتى لو جنسية دولة من دول العالم الثالث، لا بل الرابع في مجاهل أميركا اللاتينية أو بلاد افريقيا، ليفروا من الواقع المرير الذي وصل بلدنا إليه.
جاءت هذه المناسبة وجاءت معها طرفة جميلة تداولها بعض شباب لبنان للتعبير عن يأسهم وحزنهم لما وصل اليه حال هذا البلد الجميل في ذكرى الاستقلال جاء فيها:
لولا الاستقلال ، لكنا الآن مواطنين فرنسيين نحمل الجنسية الفرنسية، كنا لا نحتاج الى تأشيرة دخول الى اي بلد، كنا سنُحترم في كل مكان، كان لدينا راتب شهري مضمون، وتعويض للشيخوخة، كنا سندخل الى اي مستشفى لكي نتعالج مجاناً، ما كانت لدينا مشكلة للنفايات، وكان يوجد لدينا كهرباء على مدار الساعة.
وا أسفاه على بلدٍ أصبحت أساسيات الحياة فيه أمنيات.
أخيراً اقول لجميع اللبنانيين، كل استقلال وأنتم بخير.