بسام غنوم

رغم مرور ما يقارب الشهرين على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، ما زالت الأمور على حالها لناحية الخلاف الدائر حول الحصص الوزارية والحقائب السيادية وحجم التمثيل في الحكومة. وقد ترافقت الخلافات بشأن تشكيل الحكومة مع بروز مخاوف جدية على الوضع الاقتصادي، لعل أبرزها أزمة القروض السكنية التي أصبحت تهدد القطاع العقاري وقطاعات اقتصادية أخرى مرتبطة به مثل قطاع المفروشات والمواد المرتبطة بهذا القطاع التي وصلت الى حد إلغاء حفلات زواج وأعراس بسبب توقف عملية القروض السكنية.
ولعل ذلك ما دفع الرئيس بري الى إطلاق تحذير حول الوضع الاقتصادي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع الحكومي، فقال محذراً المعرقلين: «ارحموا البلد والاقتصاد والناس».
إلا انه رغم كل ذلك تبدو العقد الحكومية على حالها، ولا سيما عقدة التمثيل المسيحي التي أطاحت عملياً «تفاهم معراب» بين «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر، رغم تأكيد سمير جعجع عدم سقوط التفاهم، وهو ما دفع الرئيس سعد الحريري الى القول رداً على سؤال عن موعد تشكيل الحكومة: إني «متفائل دائماً ولكن لا تعليق».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل استمرار العقد التي تعوض تأليف الحكومة هو وحده المسؤول عن تأخير عملية التأليف؟
قبل الحديث عن العقد السياسية ودورها الظاهر في عرقلة تأليف الحكومة الجديدة، لا بدّ من التوقف أولاً عند موقف لافت لعضو كتلة الوفاء للمقاومة نواف الموسوي،  الذي اعتبر أن «أي قوى سياسية لا تستطيع أن تزعم أنها الممثل الحصري والوحيد للطائفة ما دمنا نتحدث في نظام طائفي سياسي، ولا يستطيع أي حزب أو أي زعيم أو أي شخصية أن تقول إن تمثيل الطائفة الفلانية محصور بشخصها أو بحزبها أو بتيارها أو باتجاهها».
وطبيعي في هذا الكلام الذي أطلقه النائب الموسوي حول طبيعة التمثيل و«الممثل الحصري والوحيد للطائفة» انه لا يقصد الثنائي الشيعي، أي حركة أمل و«حزب الله»، وأنه يوجه سهامه الى الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية على وجه الخصوص، وهو ما يكشف شيئاً من العقد والتعقيدات الخفية التي تعرقل عملية تشكيل الحكومة بعيداً عن العقد والخلافات الظاهرة مثل عقدة التمثيل المسيحي وعقدة التمثيل الدرزي، وعقدة تمثيل النواب السنة الذين لا ينتمون الى تيار المستقبل.
وفي هذا الإطار عاد الحديث مجدداً، وإن بطريقة الهمس، عن موضوع تأليف عريضة نيابية لسحب التكليف من الرئيس المكلف سعد الحريري، تحدث عنها قبل أسبوعين النائب جميل السيّد، إذ تحدث مجدداً أحد النواب عن «فتاوى قانونية لسحب التكليف الحكومي إذا طال الأمر».
وعودة الحديث عن عريضة نيابية لسحب التكليف من الرئيس سعد الحريري تحمل أمرين: الأول زيادة الضغوط على الرئيس الحريري من قبل «حزب الله» وحلفائه من أجل القبول بالشروط التي يريدها الرئيس عون والوزير جبران باسيل، وتشكيل حكومة كما يريد هذا الفريق، لا كما يرغب الرئيس سعد الحريري.
أما الأمر الثاني، فهو تحميل الرئيس سعد الحريري مسؤولية الفشل في تشكيل الحكومة الجديدة بسبب تمسكه بتمثيل وازن لحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وهو ما قد يدفع الى عملية سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري عبر العريضة النيابية.
هذا الواقع المأزوم لعملية تشكيل الحكومة الجديدة مع ما يجري في الخفاء لإحراج الرئيس سعد الحريري، وحتى للانقضاض على اتفاق الطائف عبر وسائل وأعراف غير قانونية وغير دستورية دفع الرئيس سعد الحريري الى الرد مجدداً عبر مجلس المفتين بعد ان رد سابقاً عبر لقاء رؤساء الحكومة السابقين وكتلة تيار المستقبل، وقد اعتبر مجلس المفتين «ان تأخير تشكيل الحكومة مرده الى ايجاد أعراف مصطنعة تتناقض مع وثيقة الوفاق الوطني التي أضحت دستوراً»، وشدد على «ضرورة التزام كل الأفرقاء اتفاق الطائف وعدم إيجاد أعراف تعوق تشكيل الحكومة».
وهذا الموقف الجديد حول العقبات التي تعرقل تشكيل الحكومة، وحول ضرورة التمسك باتفاق الطائف يعكس الوجه الآخر للأزمة الحكومية بكل ما في الكلمة من معنى.
باختصار، العقبات التي تعرقل تأليف الحكومة الظاهر منها والخفي الهدف منه وضع الرئيس سعد الحريري أمام الأمر الواقع أي تشكيل حكومة كما يريد «حزب الله» والتيار الوطني الحر بعيداً عن باقي الفرقاء الذين يعتبرونهم مجرد لاعبين صغار في السياسة اللبنانية. فهل تنجح الضغوط على الرئيس سعد الحريري، أم تستمر عملية عضّ الأصابع بين الطرفين «حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً؟}