قاسم قصير

شكلت الهجمات الانتحارية التي تعرضت لها بلدة القاع البقاعية تطوراً خطيراً على صعيد الأوضاع الأمنية في لبنان.
وقد جاءت هذه التفجيرات في ظل تحذيرات عديدة أطلقها دبلوماسيون عرب وأجانب من المخاطر التي قد يواجهها لبنان في المرحلة المقبلة، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، في ظل استمرار الفراغ السياسي وبسبب التداعيات الناتجة من التطور ات في سوريا والعراق، وبعد سلسلة التحذيرات التي أطلقها تنظيم «داعش» من القيام بعمليات جديدة تستهدف دول المنطقة وعلى الصعيد العالمي، وبعد الاعترافات التي أدلى بها عدد من الموقوفين المنتمين إلى تنظيم داعش لدى الأجهزة الأمنية وكشفوا فيها عن مخططات لتنفيذ عمليات تفجير في معظم المناطق اللبنانية.
وقد أدت هذه التطورات إلى تكثيف الاجراءات العسكرية والأمنية في كل المناطق اللبنانية، وتم اتخاذ العديد من القرارات لحماية الوضع الأمني ومن أجل تفعيل العمل الحكومي في ظل استمرار الفراغ السياسي..
فماذا في جعبة الدبلوماسيين العرب والأجانب حول الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان؟ وإلى أين تتجه هذه الأوضاع في المرحلة المقبلة؟
المخاطر الأمنية والوضع السياسي
بداية، ماذا لدى الدبلوماسيين العرب والأجانب العاملين في بيروت حول المخاطر الأمنية التي يواجهها لبنان حالياً؟ وماذا عن الوضع السياسي الداخلي؟
خلال اللقاء مع الدبلوماسيين عرب وأجانب في بيروت، يتحدث هؤلاء بوضوح وصراحة: عن أن الوضع الأمني في لبنان يواجه حالياً مخاطر عديدة، بعضها ناتج من قيام المجموعات المتشددة كتنظيم داعش بالتحضير لعمليات إرهابية تستهدف الوضع اللبناني (كما حصل في بلدة القاع، وقد يتكرر في مناطق أخرى)، وبعضها ناتج من تداعيات التطورات في المنطقة في ظل تصاعد التطورات العسكرية في سوريا والعراق واستمرار الصراعات في المنطقة.
كما يشير هؤلاء الدبلوماسيون الى المخاطر الناتجة من القرارات الأميركية المالية لمواجهة حزب الله، التي أدت إلى حصول توتر داخلي ترافق مع التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر في بيروت.
ومع أن بعض الدبلوماسيين يشيرون إلى وجود معلومات لديهم عن تراجع حدة الاشكالات بين مصرف لبنان المركزي والمصارف اللبنانية من جهة، وبين حزب الله ومؤيديه من جهة أخرى بسبب الإجراءات المصرفية، فإنهم في المقابل يعتبرون ان استمرار التصعيد الأميركي ضد حزب الله من خلال البوابة المالية، قد يؤدي مستقبلاً الى حصول توترات جديدة قد تنعكس سلباً على الوضع الأمني في لبنان.
لكن الجانب الأمني الأخطر الذي يتحدث عنه الدبلوماسيون هو ان يتعرض لبنان لمخاطر كبيرة في المرحلة المقبلة بسبب الأوضاع في المنطقة، وكذلك استمرار الفراغ السياسي، ما قد يؤدي الى تفجير الوضع الأمني بما يشبه الأحداث التي حصلت في أيار 2008، أو في محطات أخرى واجهها لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مروراً بالحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006.
أما على الصعيد السياسي، فيشير هؤلاء الدبلوماسيون إلى غياب الحلول العملية لمشكلة الفراغ الرئاسي وانعكاس ذلك على المؤسسات الرسمية، ومع أن هؤلاء الدبلوماسيين يشيدون بالجهود التي يبذلها الرئيس نبيه بري للوصول إلى حلول سياسية شاملة للأزمة من خلال الحوار الوطني، فإنهم في الوقت نفسه يؤكدون «ان لا حلول سياسية قريبة، نظراً لترابط الوضع اللبناني بتطورات الأوضاع في المنطقة واستمرار الصراع السعودي - الإيراني، وعدم قدرة الدول الكبرى أو الدول العربية والإقليمية الفاعلة على ممارسة ضغوط تؤدي إلى توافق سياسي، ما قد يؤدي إلى المزيد من الشلل والأزمات على الصعيد اللبناني في المرحلة المقبلة».
مستقبل الأوضاع في لبنان
لكن إلى أين يتجه الوضع اللبناني في ظل هذه التحذيرات والمخاطر التي يتحدث عنها الدبلوماسيون العرب والأجانب في بيروت؟
يجيب هؤلاء عن هذا السؤال بالقول: إن لبنان حظي خلال السنوات الخمس الماضية (أي منذ اندلاع الثورات الشعبية العربية ووصولاً إلى التطورات في سوريا والعراق) بما يشبه الاستقرار النسبي، ورغم حصول العديد من التفجيرات والأحداث الأمنية خلال هذه السنوات، بقيت الأوضاع تحت السيطرة، وذلك بسبب دور الأجهزة الأمنية العسكرية، ولأن الأطراف الداخلية والخارجية لم تكن ترغب بحصول حرب واسعة في لبنان، نظراً للمخاطر الناتجة من هذه الحرب.
ويضيف هؤلاء: رغم الفراغ الرئاسي وعدم إجراء انتخابات لرئاسة الجمهورية، والتمديد للمجلس النيابي، فإن المؤسسات الرسمية بقيت تعمل ضمن الحد الأدنى، وشكَّل إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية مؤشراً إيجابياً على امكانية حصول الانتخابات النيابية في عام 2017 إذا بقيت الأوضاع الأمنية مستقرة.
لكن في مقابل هذه المؤشرات الايجابية التي كانت موجودة خلال الأعوام الماضية، فإن هؤلاء الدبلوماسيين يعتبرون أن التطورات الداخلية والخارجية في هذه المرحلة قد تحمل مخاطر جديدة على الوضع اللبناني، ما قد يؤدي إلى ضرب الاستقرار النسبي القائم حالياً، ويفتح الباب أمام تطورات خطيرة.
ولذلك يدعو الدبلوماسيون العرب والأجانب الأطراف اللبنانية للمسارعة في البحث عن حلول سياسية لمختلف الملفات، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات، لأن القوى الخارجية مشغولة حالياً بالعديد من التطورات الدولية والإقليمية ولا يقع لبنان في سلم أولوياتها في هذه المرحلة.
ويتابع الدبلوماسيون: ان مسؤولية معالجة الملفات السياسية في لبنان هي بيد الأطراف اللبنانية الداخلية، وأما الدول الخارجية فيمكن أن تساعد في دعم أي اتفاق قد يحصل بين اللبنانيين.
ومع أن بعض الدبلوماسيين يؤكدون أهمية الاتفاق السعودي - الإيراني (في حال حصوله) في المساعدة في دعم التوافق اللبناني الداخلي نظراً لعلاقات بعض الأطراف اللبنانية مع هذين البلدين، فإنهم بالمقابل يدعون إلى مزيد من الحوارات الداخلية للبحث عن الأسس الأولية لمعالجة الأزمة اللبنانية سواء من خلال الحوارات التي يرعاها الرئيس نبيه بري أو من خلال الحوارات الثنائية التي يمكن إجراؤها بين مختلف الأطراف اللبنانية.
وفي الخلاصة يستنتج المراقب من خلال اللقاءات التي يجريها مع الدبلوماسيين العرب والأجانب أنه للمرة الأولى لم يعد لدى هؤلاء حلول سحرية للأزمات أو رؤية واضحة لما يجري في لبنان والمنطقة وان كل ما لديهم هو المزيد من التحذيرات من المخاطر القادمة والتمنيات بأن يتفق اللبنانيون على معالجة مشاكلهم وحماية بلادهم لأن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون مليئة بالتطورات السياسية والأمنية بانتظار انتهاء الانتخابات الأميركية ووضوح الصورة دولياً وإقليمياً.