العدد 1383 / 23-10-2019
بسام غنوم

قلبت انتفاضة الشعب اللبناني المقاييس السياسية في لبنان رأساﹰ على عقب ، فالمتظاهرون في كل المناطق اللبنانية اعلنوا كفرهم بالطبقة السياسية الحاكمة والشعار المرفوع في كل الساحات على امتداد الوطن هو "كلن يعني كلن" ، وهو ما دفع بالرئيس الحريري الى القول بعد اجتماع مجلس الوزراء الذي اقرّ "ورقة الاصلاح الانقاذية" :"ماقمتم به كسر كل الحواجز ، وهز كل الاحزاب والتيارات القيادات واهم حاجز هو حاجز الولاء الطائفي الاعمى" وأضاف انه يأمل ان يكون ماجرى "بداية حقيقية للبنان الجديد" .

لكن لبنان الجديد الذي يطالب به الشعب اللبناني غاب ويغيب عن الطبقة السياسية الحاكمة التي تتصرف وكأن الشعب اللبناني مازال متمسكاﹰ بها ، ومؤمناﹰ بخياراتها السياسية والاقتصادية , لذلك جاءت ورقة الاصلاح التي اقرها مجلس الوزراء وكأنها خشبة خلاص للطبقة السياسية الحاكمة من اجل الاستمرار في الحكم ورغم وجع الناس واعتراضهم ، وأبلغ دليل على ذلك هو تحرك انصار الثنائي الشيعي في حركة استعراضية على الدرجات النارية لفض الاعتصامات في ساحتي رياض الصلح والشهداء وهو ما قوبل برد حازم من الجيش اللبناني الذي رفض ان يكون طرفاﹰ في الصراع القائم على الأرض بين الطبقة الحاكمة والشعب اللبناني .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : من سينتصر في عملية "عض الاصابع" القائمة بين الشعب اللبناني والطبقة الحاكمة سواء كانت "العهد القوي" او الحكومة الحالية برئاسة الرئيس سعد الحريري ؟

طوال السنوات الثلاث الماضية كانت اطراف التسوية السياسية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساﹰ للجمهورية وهي تشمل اضافة الى تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ، "حزب الله" كراع محلي واقليمي حام لهذه التسوية وهذه السلطة ، وكأن الأمور استبت لها في كل المجالات سواء على صعيد الحكم وادارة الدولة او على الصعيدين المالي والاقتصادي ، وكذلك وهو الأهم على الصعيد السياسي .

فعلى صعيد الحكم وادارة الدولة جرى تهميش موقع رئاسة الحكومة لصالح الرئيس القوي بحكم الأمر الواقع ، والرئيس سعد الحريري ارتضى لنفسه ان يكون جزءاﹰ من هذا الواقع بحكم التسوية السياسية التي جاءت به رئيساﹰ للحكومة ، ورغم الاعتراضات السياسية والشعبية على هذه السياسة التي يتبعها الرئيس الحريري استمر بها مدافعاﹰ عنها رغم اعتراض رؤساء الحكومة السابقين على انتهاك دستور الطائف ، ورغم الرسالة التي وجهها له الناخبون في الانتخابات النيابية التي قلصت كتلته النيابية من 36 نائب الى 19 نائب ، ومع ذلك اعلن تمسكه بالتسوية السياسية مع "حزب الله" والتيار الوطني الحر ، وهو مادفع بالفريق الآخر (اي "حزب الله") والتيار الوطني الحر الى ابتزازه الى ابعد مدى حتى وصلت الأمور الى ماوصلت عليه الآن .

اما على الصعيد السياسي وبعد مرور ثلاث سنوات على رئاسة الرئيس عون ، فقد بدأ "حزب الله" التحضير لانتخاب جبران باسيل رئيساﹰ للجمهورية رغم كل المواقف الاستفزازية والطائفية التي يرفعها ، حتى ان الامر وصل بالوزير باسيل الى التهديد "بقلب الطاولة" على اللبنانيين جميعاﹰ بدعم وتأييد من "حزب الله" الذي يرى في باسيل الخيار الأمثل في خلافة العماد عون ، ولذلك لم يكن غيرباﹰ ان يسارع السيد حسن نصرالله للدفاع عن "العهد القوي" ويقول ان هذا العهد لن يسقط ، ويتوعد المتظاهرين في لبنان بالنزول بانصاره الى الشارع ، متجاهلاﹰ وجع الناس وفقر الناس واعتراض الناس على امتداد الوطن .

واما بالنسبة للوضع الاقتصادي الذي فجر غضب اللبنانيين على كل الطبقة السياسية الحاكمة ، فهذه الحكومة بكل مكوناتها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن حالة التردي الاقتصادي والمالي الذي يعيشه اللبنانيون بكل طوائفهم ومذاهبهم لذلك كانت الصرخة والاعتراض على امتداد الوطن من الجنوب والبقاع مروراﹰ بالشمال وعاصمته طرابلس وصولاﹰ الى جونية والبترون وجبيل والعاصمة بيروت ، ولذلك كان التحرك وانتفاضة اللبنانيين شاملة ورافضة لهذه الطبقة السياسية التي افقرته وجوعته واوصلته الى ما هو عليه .

ولعل في استمرار الاعتراض الشعبي على طبقة اهل الحكم والحكومة رغم "ورقة الاصلاحات الانقاذية" التي اقرتها الحكومة ابلغ دليل على فقدان الثقة بهذه الحكومة وبكل مكوناتها .

باختصار ، ما يجري الآن على الأرض هو عملية "عض اصابع" موجعة بين السلطة بكل مكوناتها والشعب اللبناني ، ومن يراهن على خسارة الشعب اللبناني واهم واهم واهم لأن الشعب قال كلمته ولن يتراجع رغم التهديد والوعيد .

بسام غنوم