قاسم قصير

يُحيي اللبنانيون هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على حرب تموز 2006، وقد شنّ الجيش الإسرائيلي هذه الحرب على حزب الله ولبنان رداً على أسر المقاومة الإسلامية جنديين إسرائيليين في منطقة خلة وردة قرب بلدة عيتا الشعب قرب الحدود اللبنانية - الفلسطينية.
لكن أهداف الحرب الإسرائيلية على حزب الله ولبنان كانت أبعد من عملية الرد على خطف الجنديين. فهذه الحرب، باعترافات المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، كانت تهدف إلى تغيير الخريطة السياسية في لبنان والمنطقة، إضافة إلى أنها كانت تهدف إلى إنهاء الوجود العسكري للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، على غرار الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان عام 1982 والتي أدت إلى اخراج منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وانتخاب بشير الجميّل رئيساً.
وقد أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس «أن شرقاً أوسط جديداً سيولد»، لكن الحرب لم تحقق الأهداف السياسية والاستراتيجية المطلوبة، بعد ان نجح حزب الله والمقاومة الإسلامية في إنزال هزيمة كبرى بالجيش الإسرائيلي (باعتراف المسؤولين الإسرائيليين آنذاك)، وشُكِّلَت «لجنة فينوغراد» للتحقيق في أسباب فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، وأدت الحرب إلى استقالة المسؤولين عنها.
لكن في نهاية الحرب صدر القرار 1701 عن مجلس الأمن، وفرض معادلات جديدة على صعيد الوضع في جنوب لبنان من خلال تعزيز دور القوات الدولية ودخول الجيش اللبناني الى منطقة الحدود وانسحاب مقاتلي الحزب إلى ما خلف نهر الليطاني. وفي العام 2008 حصلت «عملية الرضوان» لتبادل الأسرى مع الجيش الإسرائيلي، وأدت إلى إطلاق سراح المناضل اللبناني سمير القنطار مع عدد من مقاتلي الحزب. لكن القنطار اغتيل في العام الحالي في الجولان، كذلك اغتيل قائد المقاومة الحاج عماد مغنية في عام 2008 في دمشق.
فما هي أبرز دلالات وأبعاد حرب تموز 2006 بعد مرور عشر سنوات على انتهائها؟ وأين أصبح الصراع مع العدوّ الصهيوني اليوم في ظل ما يجري من تطورات وصراعات في المنطقة؟
دلالات ونتائج حرب تموز
لقد شكلت حرب تموز 2006 تطوراً مهماً على صعيد الصراع مع العدوّ الصهيوني، لأن العدوّ الصهيوني ومن ورائه أميركا ودول غربية وعربية فشلوا في انهاء الوجود العسكري للمقاومة الإسلامية في لبنان رغم كل اشكال التدمير والمجازر التي حصلت خلال الحرب.
ونجحت المقاومة الإسلامية في تحقيق العديد من المفاجآت خلال الحرب، وخصوصاً عبر استهداف السفينة العسكرية (ساعر) في عرض البحر، ومن خلال حجم ونوعية الصواريخ التي أطلقت على الكيان الصهيوني والتي أدَّت إلى تغيير معادلات الصراع في المنطقة.
وكان من أهم الإنجازات الاستراتيجية للحرب على لبنان، انتقال هذه التجربة إلى قطاع غزة من خلال تطوير الصواريخ وبناء المحميات والأنفاق في القطاع، ما أدى إلى صمود غزة في مواجهة حربين شنهما العدوّ الصهيوني عامي 2009 و2014.
وفرضت الحرب معادلة جديدة بين لبنان والكيان الصهيوني من خلال منع الجيش الإسرائيل من شن أية حرب جديدة طوال السنوات العشر الماضية، وبالمقابل نجحت المقاومة الإسلامية في تعزيز قدراتها العسكرية والصاروخية والبشرية، وإن كان دورها قد تحول من قوة هجومية إلى قوة دفاعية وردعية.
كذلك أدت الحرب إلى انتاج نظريات جديدة في القتال والحرب وأبرزها تحويل «جموعات حرب العصابات» إلى «قوة عسكرية نظامية» والجمع بين «قتال حرب العصابات» وقتال الجيوش النظامية.
وبعد انتهاء حرب تموز 2006 أعيد فتح النقاش  واسعاً في لبنان حول دور حزب الله والمقاومة الإسلامية والاستراتيجية الدفاعية التي يجب ان يعتمدها لبنان في مواجهة الكيان الصهيوني، لكن النقاش والحوار لا يزال مستمراً، وإن كان الصراع في سوريا وتدخل حزب الله في هذا الصراع قد فتح نقاشات جديدة وترك انعكاسات سلبية داخلياً وخارجياً.
مستقبل الصراع مع العدوّ الصهيوني
لكن إلى أين يتجه الصراع مع العدوّ الصهيوني في ظل التطورات الجارية في المنطقة؟ وهل لا يزال هذا الصراع هو الأولوية؟ وأين دور المقاومة الإسلامية في لبنان في هذا الصراع؟
بعد مرور عشر سنوات على حرب تموز، ورغم قيام العدوّ الصهيوني بشن حربين على غزة في خلال السنوات الأخيرة وزيادة الاستيطان وتهويد القدس والتهديد بتدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان،  لم يعد هذا الصراع يحظى حالياً بالأولوية لدى العديد من القوى والحركات الإسلامية أو على صعيد القوى العربية الشعبية والحزبية، ولقد تقدمت الصراعات في المنطقة على أولوية الصراع مع العدوّ الصهيوني (سوريا، العراق، اليمن، البحرين، مصر، ليبيا)، كما ان الصراع مع المجموعات المتطرفة أو مواجهة العنف والإرهاب الداخلي أو ازدياد حالات الاستبداد والقمع يستحوذ على الأولوية في العديد من الدول العربية، ويضاف إلى كل ذلك تفاقم الصراع السعودي - الإيراني وازدياد مخاطر الصراع المذهبي، وانتشرت الدعوات إلى تشكيل «تحالف عربي - إسرائيلي» لمواجهة «العدوّ الإيراني الفارسي».
لكن هل تعني كل هذه التطورات أن دور المقاومة في مواجهة العدوّ الصهيوني قد انتهى، سواء في لبنان أو في فلسطين المحتلة؟ وهل بالإمكان استعادة أولوية الصراع مع العدوّ الصهيوني؟
من خلال متابعة ما يجري في العالم العربي من أحداث وتطورات سياسية وعسكرية وأمنية وكذلك على الصعيد الفكري والثقافي، يمكن التأكيد أن الصراع مع العدوّ الصهيوني لم يعد له الأولوية في برامج القوى والحركات الإسلامية والقومية والليبرالية، رغم كل الجهود التي تبذل من أجل إبقاء هذا الصراع حاضراً، بل للأسف وصلنا إلى مرحلة توصَف فيها «المقاومة» بالإرهاب دون مواجهة ذلك بالشكل القوي والفعَّال.
ورغم ان قادة حزب الله والمقاومة الإسلامية حرصوا خلال كل السنوات الماضية على تبرير المشاركة في الصراعات في المنطقة بأنها من أجل حماية مشروع المقاومة ولمواجهة المخاطر المستجدة وان الصراع مع العدوّ الصهيوني سيبقى الأولوية، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى ان هذه الصراعات أسهمت في انشغال شعوب المنطقة عن مواجهة الكيان الصهيوني ومخاطره.
وبانتظار تبلور صورة أوضاع المنطقة في المرحلة المقبلة، فإن العدوّ الصهيوني سيبقى هو الخطر الأساسي وان كل الصراعات في المنطقة قد يكون هدفها تبرير وجود هذا الكيان وتفتيت الدول إلى كيانات مذهبية أو طائفية، ما يتطلب من الجميع اعادة تقويم ما جرى في السنوات العشر الماضية ووضع استراتيجية جديدة لمواجهه مختلف التحديدات.