العدد 1329 / 20-9-2018
بسام غنوم

مازالت عملية المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري تدور في الدوامة نفسها اي تلك المرتبطة بتوزيع الحصص الوزارية بين مختلف الفرقاء , ورغم الجهود التي يبذلها الرئيس سعد الحريري لتدوير الزوايا من اجل ولادة حكومة وحدة وطنية , الا ان كل ذلك يصطدم بمواقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل , و بمواقف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يصرّ على ان عملية الحكومة الجديدة تولد :"عندما تصبح الصيغة متوازنة يتم تشكيل الحكومة وفق المعايير و المبادئ التي اطلقتها في خطابي يوم الاول من اب الماضي , اذ لا يجوز لاي فئة او طائفة احتكار التمثيل او تهميش فئة لمصلحة اخرى او اقصاء احد" , و بناء على هذه المواقف عادت الامور الى المربع الاول اي الى ما قبل تقديم "الصيغة المبدئية" للحكومة الجديدة التي قدّمها الرئيس الحريري الى الرئيس عون , وهو ما فتح الباب واسعاﹰ امام ما اصبح يسمى ب "حرب الصلاحيات الرئاسية" , حيث يرى فريق من المراقبين السياسيين ان العرقلة الجارية في عملية تشكيل الحكومة الجديدة هدفها الانقلاب على اتفاق الطائف لناحية صلاحيات رئاسة الجمهورية وصلاحيات رئاسة الحكومة , وفرض اعراف سياسية غير دستورية تؤسس لواقع سياسي جديد يعيد الامور فعلياﹰ الى ما قبل اتفاق الطائف .

و السؤال الذي يطرح نفسه هو : الى متى ستستمر عملية عرقلة الرئيس المكلف , وهل يتحمل لبنان نتائج هذه العرقلة وخصوصاﹰعلى الصعيد الاقتصادي ؟

في موقف لافت لرئيس الجمهورية ميشال عون من العرقلة الجارية في عملية تشكيل الحكومة الجديدة اعتبر في حديث نشرته صحيفة الجمهورية ان من يراقب سلوك جعجع يلاحظ انه يدعم العهد في الظاهر و يحاربه في الواقع" , وهذا الموقف الجديد للرئيس عون جاء رداﹰ على دعوة سمير جعجع الرئيس عون ال "المبادرة وانقاذ عهدك" من السقوط , وهو ما استفز الرئيس عون الذي اكد في حديثه ان حصة القوات اللبنانية يجب ان لا تتجاوز الثلاثة مقاعد وزارية , مؤكداﹰ مرة اخرى ان واجبه ودوره يحتمان عليه ضمان تحقيق العدالة في تركيب الحكومة وفق الاحجام التي افرزتها الانتخابات النيابية الاخيرة.

و بالنسبة الى دعوة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية له الى وضع حد للمطالب و المواقف التي يعبر عنها الوزير جبران باسيل , قال الرئيس عون : لماذا يطلب مني ان "اكبس جبران حصراﹰ , بينما الاخرون يتمادون في مواقفهم ويرفعون سقوفهم الى ما فوق المنطق . انّ الضغط يجيب ان يمارس على هؤلاء بالدرجة الاولى ".

وتؤكد هذه المواقف الجديدة للرئيس ميشال عون الامور التالية :

-انه متمسك بمطالب الوزير جبران باسيل الوزارية و البالغة سبعة وزراء , و انه مؤيد لها ولا يريد القيام باي ضغوط على "تكتل لبنان القوي" من اجل التراجع عن موقفه .

-موقفه من وليد جنبلاط وسمير جعجع و اعتباره ان جعجع يحارب العهد , مما يعني ان عملية تشكيل الحكومة مؤجلة حتى رضوخ الطرف الاخر الى مطالبه .

-الحديث عن انقاذ العهد بسبب الفشل الحكومي , و الازمة الاقتصادية التي تضرب اللبنانيين يقابله حديث الرئيس عون عن انجازات العهد في موضوع التنقيب عن النفط , و قانون الانتخابات , و الموازنة , وسلسلة الرتب و الرواتب , والتعيينات الدبلوماسية والقضائية و الادارية , و مواجهة الارهاب , وكل ذلك بحسب الرئيس عون هو نجاح للعهد في سنتين من عمر العهد .

هذه المواقف للرئيس عون من ازمة تشكيل الحكومة تعني بكل وضوح ان المشاورات التي يجريها الرئيس سعد الحريري تدور في حلقة مفرغة , فالرئيس عون و التيار الوطني الحر متمسكان بمواقفهما وغير مستعدين لملاقاة الاطراف الاخرى في وسط الطريق ,ويتناغم مع موقفهم هذا "حزب الله" الذي دعا الى تشكيل الحكومة وفق مبدأ النسبية التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية , بحيث ينال كل طرف حصّة وزارية وفق نسبة نتائجه في الانتخابات , وهذا الموقف اطلقه الشيخ نعيم قاسم في احد المجالس العاشورائية .

لكن هل يتحمل لبنان نتائج هذه العرقلة وخصوصاﹰ على الصعيد الاقتصادي ؟

وزير المالية علي حس خليل كشف في اجتماع لجنة المال النيابية "ان النمو لن يتجاوز 1,5 بالمئة" ,و هناك زيادة في الانفاق في مقابل جمود في الواردات , و اكد ان الارقام عن الستة اشهر الاولى من السنة غير مشجعة , وان عجز الكهرباء سيصل الى ثلاثة مليارات دولار , وهذه الجردة الاقتصادية تقابلها صرخات من الهيئات الاقتصادية بسبب الجمود الاقتصادي الذي يضرب مختلف القطاعات , و اذا لم يبادر المسؤولون سريعاﹰ الى تشكيل حكومة جديدة تعالج الوضع الاقتصادي فالاتي خطير جداﹰ اقتصادياﹰ .

بالخلاصة , يبدو ان عملية عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة مبرمجة حتى تحقيق مطالب بعض القوى السياسية بالسلطة , و اما الناس ووجعهم فيبدو وأنه في آخر اهتمامات المسؤولين .

بسام غنوم