وائل نجم

بعد انقضاء قرابة خمسين يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة العتيدة، لا تبدو في الأفق أية بارقة أمل بقرب تأليفها، على الرغم من الاتصالات والمشاورات التي تجري على أكثر من مستوى، وفي أكثر من اتجاه. الجو السائد إلى الآن هو المراوحة والمزيد من الشروط والشروط المضادة، ومحاولات تجاوز الدستور والصلاحيات في عملية التأليف من أجل فرض أعراف جديدة تعيد زمن الهيمنة، ولكن النتيجة جراء كل ذلك هي المراوحة واستمرار الأزمة وتفاقم المشاكل الاقتصادية، وهي بيت القصيد في المرحلة المقبلة.
قبل نحو شهرين من اليوم اعترف رئيس الجمهورية ميشال عون اثناء استقباله البطريرك بشارة الراعي بصعوبة الظروف والأوضاع الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، وحذّر من خطورتها على البلد، وهو أمر يعرفه القاصي والداني في لبنان، ولكن في تلك المرة جاء الاعتراف من رأس الدولة، من الرئيس.
وقبل أيام دقّ رئيس المجلس النيابي نبيه يرى ناقوس الخطر من تفاقم المشكلة الاقتصادية وأبدى أمام بعض زواره تخوّفه من مقبل الأيام على المستوى الاقتصادي، ولعلها ليست المرّة الأولى التي يشير فيها الرئيس برّي إلى صعوبة الوضع الاقتصادي، خاصة أن وزير المالية، مستشاره السياسي الوزير علي حسن خليل، لطالما حذّر من مغبة استمرار الأزمة الاقتصادية وخطورتها.
الرئيس سعد الحريري اعترف أيضاً بصعوبة الوضع الاقتصادي وخطره على البلد، ووضع عنواناً لسياسة تياره وحكومته المرتقبة أولوية الوضع الاقتصادي وضرورة معالجته.
قبل فترة من الزمن توقفت المصارف في لبنان عن منح قروض سكنية مدعومة من المؤسسة العامة للإسكان، ثم جاء قرار المؤسسة ذاتها بوقف منح الموافقات على الطلبات المقدمة لها من الشباب للاستحصال على شقة سكنية، والسبب -كما هو معروف بداهة- أن الشباب اللبناني ما عادوا يجدون فرص عمل في البلد، وإذا ما وجدوا فإن عائدها لا يمكّنهم من سداد قروض المصارف، وبالتالي الوقوع تحت العجز، وبالتالي خسارة المسكن والأموال التي دفعت، والدخول في أزمات متلاحقة لا تنتهي فصولاً. لقد أصابت هذه القرارات القطاع العقاري بحالة من الجمود والركود، وهو أصلاً كان يعاني من هذه الحالة.
وبالحديث عن تداعيات الجمود والركود الذي أصاب القطاع العقاري، فإن قطاعات كثيرة وعديدة أصيبت أيضاً بالشلل، وهو ما انعكس ركوداً عاماً في كثير من القطاعات، إذ المعروف أن القطاع العقاري يُعتبر محركاً أساسياً لكثير من القطاعات الصناعية والتجارية الأخرى، وبالتالي هذه القطاعات ستتأثر وتجمد عندما يصاب القطاع العقاري بالجمود، وهذا ما حصل. وكذلك أصيبت اليد العاملة والأعمال الحرّة أيضاً بانتكاسة، وكل ذلك أثّر كثيراً، وفاقم الأزمة الاقتصادية التي قد تتجه نحو مزيد من التفاقم والخطوة في المرحلة المقبلة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
بعض الخبراء الاقتصاديين حذّروا في المرحلة الأخيرة من خطورة الوضع الاقتصادي في لبنان، وذهب بعضهم إلى حدود الحديث عن أزمة قد تعصف بالبلد، تشبه في خطورتها الأزمة التي عصفت باليونان، وحذّر بعض هؤلاء من خطوة ارتفاع سعر الدولار عمّا هو عليه اليوم، وضربوا أمثلة على ذلك ما حصل في إيران خلال الأسابيع الأخيرة، حيث ارتفع سعر الدولار واليورو مقابل العملة الإيرانية ارتفاعاً جنونياً، وكذلك ما حصل في تركيا بدرجة أقل.
وتتناول الصالونات في البلد في أمسياتها الحديث عن إقفال العديد من المؤسسات والشركات أبوابها وصرف بعض موظفيها وعمّالها، حتى إن الحديث عن هذه الظاهرة الآخذة بالتعاظم تناول شركة من كبريات شركات البلد، شرعت في صرف بعض موظفيها، وقلّصت من حجم التقديمات التي كانت تقدّمها للذين أبقتهم، فضلاً عن بيعها لأحد عقاراتها لسداد بعض الديون، وصولاً إلى الحديث عن عرض أكبر وأهم صالة عرض في العاصمة للبيع جراء الأزمة التي أخذت تعصف بهذه الشركة. ولعلّ أمثالها كثير من الشركات التي تسير على درب حصر النفقات، والتقليل من المصروفات، وربما وصولاً إلى إعلان الإفلاس.
البلد في وضع صعب، والحالة الاقتصادية إلى نوع من الانهيار، والطبقة السياسية مسؤولة عن كل هذا الوضع، وآن لها أن تدرك  حجم الخطر الذي يحدق بالبلد للخروج من الأزمة.}