وائل نجم

حلّت قبل أيام (14 شباط) الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة السابق، الرئيس الشهيد رفيق الحريري. طعم الذكرى هذا العام كان مختلفاً عن الأعوام السابقة. كانت الذكرى على مرّ الأعوام السابقة مناسبة وطنية جامعة، تجمع على وجه الخصوص، كل الطيف السياسي لما عُرف خلال العقد الأخير بـ «قوى الرابع عشر من آذار»، فضلاً عن قوى أخرى كانت تنظر إلى الرئيس الشهيد على أنه قيمة وطنية جامعة وليس حكراً على فريق سياسي معيّن.
هذا العام تحلّ الذكرى وقد اختلفت الأمور كثيراً. تكاد تتحوّل إلى مناسبة خاصة بـ «تيّار المستقبل» حصراً. نظّم التيار احتفالاً حاشداً في قاعة البيال في بيروت، تحدث فيه الرئيس سعد الحريري عن رؤية التيار إلى المرحلة المقبلة. فيما نُظِّم احتفال آخر في قاعة مسجد محمد الأمين وسط بيروت تحدّث فيه رئيس الحكومة السابق، ورفيق درب رفيق الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة، وأرملة الرئيس الشهيد، نازك. وهذا بحدّ ذاته يعكس أجواء الذكرى هذا العام.
احتفال البيال الذي كان يجمع كل عام شخصيات الصفّ الأول من قوى الرابع عشر من آذار، غابت عنه هذه الشخصيات. حتى صقور الرابع عشر من آذار، أو ما يصحّ تسميته يمين هذا الفريق، غابت عن الاحتفال. وهذا يعكس أيضاً حجم التباين وسط هذا الفريق.  بل أكثر من ذلك، إن بعض الشخصيات التي كانت محسوبة على هذا التيار والخط، راحت تهاجم وتتهجّم على قياداته، بمن فيها الرئيس سعد الحريري، وتتهمه بالخروج عن ثوابت الرئيس رفيق الحريري، فيما أكدت على الدوام أنها تلتزم مسار السيادة والاستقلال الذي طالما حلم به وعمل له الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأمام هذا الحجم من التباين والافتراق يصحّ طرح السؤال الآتي: ماذا بقي من الإرث؟ إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإرث 14 شباط ذكرى الاغتيال؟!
لا شكّ أنه بعد مرور هذه السنوات على ذكرى الاغتيال المشؤومة، وبعد هذا الحجم من التحوّلات التي شهدها الشرق العربي، وبعد تبدّل الأولويات عند الكثير من الحكومات والأنظمة والدول، فضلاً عن التحوّلات التي حصلت في بعض الدول، وبعد دخول المنطقة مرحلة جديدة من الصراعات في ضوء ما تمخّض عنه الربيع العربي حتى الآن، لا يمكن أن تظلّ هذه الذكرى بحيويتها التي كانت معروفة فيها، ولا بالأولوية التي كانت تتمتع بها، داخلياً أو خارجياً.
خارجياً تبدّلت الكثير من الأولويات، سواء للدول العربية التي كانت تدعم الفريق السياسي الذي كان يحمل شعلة «الحقيقة والعدالة» لكشف مرتكبي جريمة الاغتيال، وبالتالي لناحية السياسات التي سارت فيها، وحاولت فرضها على الداخل اللبناني. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول غير العربية التي أيضاً بدّلت أولوياتها بما يخدم مصالحها في المنطقة، ولذلك وجدت بعض الأطراف اللبنانية الداخلية نفسها ملزمة بإجراء تحوّل، ولو جزئياً، في سياساتها ومواقفها من الأمور الداخلية أو الخارجية، وكل ذلك ترك تأثيره القوي على الذكرى، وعلى كل ما يرتبط بها.
لقد تابعنا كيف أن استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض في تشرين الثاني من العام الماضي شابها الكثير من اللبس والشك، فضلاً عن الشك باحتجاز الرئيس الحريري هناك، مع ما ترك ذلك من أثر سلبي على العلاقة بين الجانبين، في وقت كانت السعودية تعتبر فيه الحاضن والداعم الأساسي للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولنجله رئيس الحكومة سعد، ولفريق الرابع عشر من آذار عموماً.
الإشكالية أن هناك فريقاً يعتبر أن إرث الرئيس رفيق الحريري يتمثّل به، وبما يعتبره خطاً سيادياً أراده الرئيس الشهيد لإخراج لبنان من الهيمنة والوصاية، ودفع ثمنه لأجله. وهذا الفريق يريد السير في هذا الخط «السيادي» بغض النظر عن التوازنات والظروف الواقعية والميدانية التي تعيشها المنطقة، حتى لو أدّى ذلك في وقت من الأوقات إلى إدخال البلد في فتنة أو مواجهة غير متكافئة. وفي مقابل ذلك، هناك الفريق الآخر، الذي يتزعمه نجل الرئيس الشهيد، رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يرى أنه الوريث الطبيعي لإرث الرئيس الشهيد، ويرى هذا الإرث في إنقاذ لبنان من الانزلاق نحو الحروب التي دفع ثمنها كثيراً، وإنقاذ اللبنانيين من الفوضى والدمار الذي نرى آثاره في المنطقة، حتى لو كان ذلك على حسابهم، وحتى لو كان ثمن ذلك تنازلات معيّنة في ملفات داخلية، سياسية أو إدارية أو أمنية أو اقتصادية.
لا شكّ في أن الذكرى تحلّ هذا العام وسط هذا التباين والخلاف الذي يزيد من حالة الاحباط، ويدفع إلى مزيد من التنازلات غير المبرّرة، والانقسامات التي تنذر بما هو أسوأ من نتائج على كل المكوّنات، وهو ما يجب أن يثير التفكير بجدّية عند المعنيين من أجل بناء وحدة موقف إسلامي وطني يرسي الاستقرار الحقيقي من ناحية، ويحفظ التوازنات والحقوق والصلاحيات من ناحية أخرى، ويعيد الثقة إلى كل الحرصاء على بناء الدولة وسيادة القانون والمؤسسات.}