بسام غنوم

شكلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت للبنان حدثاً سياسياً بارزاً أعاد تحريك المياه الراكدة في الساحة السياسية اللبنانية.
فقد انقسمت الآراء بين مرحب بالزيارة، باعتبارها تعبيراً عن استمرار الاهتمام الفرنسي والدولي بالوضع في لبنان، ولا سيما في ما يتعلق بالمحافظة على الاستقرار الأمني فيه، وبالوضع على الحدود مع العدوّ الصهيوني حيث تزامنت زيارة الوزير الفرنسي مع الذكرى العاشرة للعدوان الصهيوني على لبنان في 12 تموز 2006 الذي انتهى بإعلان قرار مجلس الأمن 1701 الذي أعاد الأمن والاستقرار إلى الجنوب منذ عام 2006 وحتى الوقت الحاضر.
أما الآراء المشككة بالزيارة وبأهدافها، فقد اعتبرت أن زيارة الوزير جان مارك إيرولت «لا طعم لها ولا لون ولا رائحة»، ولن تشكل أي فارق في ما يتعلق بالوضع السياسي اللبناني العالق في أزمة الفراغ الرئاسي. ورأت أن الدور الفرنسي أصبح مجرد صدى للسياسة السعودية في لبنان والمنطقة، وبالتالي إن زيارة الوزير الفرنسي للبنان لن تُساهم في حلحلة العقد المتعلقة بالملف الرئاسي الذي يحتاج إلى حوار سعودي - إيراني مباشر.
إلا أن ذلك لم يمنع وفداً من حزب الله برئاسة النائب علي فياض من اللقاء مع الوزير جان مارك إيرولت، هو ما يعكس حالة العبثية السياسية التي تحكم عمل البعض على الساحة السياسية في لبنان منذ ما قبل الفراغ في شهر أيار 2014.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل زيارة وزير الخارجية الفرنسي للبنان سياحية، أم هي مرتبطة بتطورات الوضع في المنطقة؟
في البداية، يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الفرنسي للبنان بغض النظر عن الآراء المرحبة والمشككة شكلت حدثاً سياسياً هاماً أعاد تحريك المياه السياسية الراكدة، ولا سيما في ما يتعلق بالفراغ الرئاسي. فقد أعادت الزيارة الحرارة إلى الملف الرئاسي، ولو من الباب السلبي، حيث اعتبرت الأوساط القريبة من حزب الله أن السياسة الفرنسية في لبنان هي مجرد صدى للسياسة السعودية في المنطقة، وبالتالي أطلقت على الوزير جان مارك إيرولت صفة الموفد السعودي، وهو ما دفع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، إلى الحديث عن أن طريق الحل لانتخاب الرئيس «هو بمعالجة المشكلة، فتشوا عن السعودية، إن وافقت يجري الانتخاب غداً، وإن لم توافق فالأزمة طويلة، ولن تحلها التصريحات ولا التبريرات ولا الزيارات الأجنبية ولا الاتهامات. باختصار، حل الرئاسة عند السعودية».
ورغم ذلك، قام وفد من حزب الله ضمّ النائب علي فياض ومسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي بعقد لقاء مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت، وهو ما يؤكد حرص حزب الله على اللقاء مع الأوروبيين عامة والفرنسيين خاصة، ولا سيما بعد العقوبات الأميركية على حزب الله، وأن سياسة الصوت العالي والمواقف المرتفعة إنما هي لإيصال رسائل داخلية على الصعيدين الشعبي والسياسي لا أكثر ولا أقل، وأن حزب الله رغم مواقفه المعلنة من الاستحقاق الرئاسي وبتمسكه بالعماد عون كمرشح للرئاسة، مستعد للمساومة على الموضوع إذا توافر حل يرضي سوريا وإيران أولاً، وطموحات حزب الله السياسية في لبنان ثانياً، وإلا فما معنى الحرص على اللقاء بالوزير إيرولت رغم تشكيك الأوساط الإعلامية القريبة من حزب الله بالزيارة، ووصفِها الوزير الفرنسي بـ«الموفد السعودي».
في ضوء هذا الواقع يمكن القول إن زيارة الوزير الفرنسي للبنان حققت أهدافها في ما يتعلق بالملف الرئاسي، حيث إن السياسة الفرنسية في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بالملف الرئاسي لا تطمح إلى أكثر من إبقاء هذا الملف ساخناً ومتحركاً حتى لا يصبح في طي النسيان، وتزداد أزمة الفراغ الدستوري في مؤسسات الدولة.
هذا في الجانب الداخلي لزيارة الوزير الفرنسي للبنان. أما في الجوانب الأخرى المتعلقة بالوضع في الجنوب، والتطورات المرتبطة بالوضع السوري، فقد أوضح الوزير إيرولت في خلال زيارته الكتيبة الفرنسية المشاركة في قوة الأمم المتحدة في لبنان أن «استقرار الخط الأزرق أولوية لفرنسا»، وأضاف: «أتيت إلى هنا حاملاً رسالة دعم لقواتنا وللشعب اللبناني، ونريد أن نقول أيضاً للإسرائيليين على الجانب الآخر من الحدود إننا نقوم بكل ما هو ممكن لضمان السلام والأمن للجميع».
واللافت أن هذه المواقف الفرنسية أتت في الذكرى العاشرة للعدوان الصهيوني على لبنان في 12 تموز 2006، وهي تؤكد الالتزام الفرنسي بالأمن والاستقرار في لبنان، ولا سيما في الجنوب، الاستمرار في الالتزام بقرار مجلس الأمن 1701، وحرص الفرنسيين على أمن العدوّ الصهيوني انطلاقاً من الحفاظ على الهدوء والاستقرار على جانب الحدود. وبالإضافة إلى الرسالة التي وجهتها فرنسا عبر وزير خارجيتها تجاه العدوّ الصهيوني، وجه الوزير الفرنسي رسالة أمنية داخلية تجاه التطورات الحاصلة في سوريا، حيث أكد أنه «يجب ان يبقى لبنان بمنأى عن النزاع السوري».
وهذه الرسالة شديدة الحساسية حيث إنها موجهة إلى حزب الله الذي يورط لبنان بالمستنقع السوري عبر قتاله الى جانب قوات بشار الأسد، وهذا ما يفسر جزءاً من الحملة الإعلامية على زيارة وزيرة الخارجية الفرنسي للبنان من قبل الوسائل الإعلامية الموالية لـ«حزب الله».
باختصار، زيارة الوزير جان مارك إيرولت للبنان ليست زيارة سياحية، فقد حملت رسائل محلية وإقليمية، وحركت المياه الراكدة في الملف الرئاسي، وهذا هو جوهر السياسة الفرنسية في هذه الأيام. فهل يستفيد اللبنانيون من هذه الزيارة لحل مشاكلهم والحفاظ على أمن لبنان واستقراره؟