العدد 1427 / 9-9-2020

شكلت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الى لبنان محطة سياسية هامة في اطار مواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية سواء عبر المشاريع والمبادرات المشبوهة التي تتولاها الادارة الاميركية عبر ما يسمى بصفقة القرن ، او عبر فرض التطبيع مع العدو الصهيوني كأمر واقع في المنطقة كما هو الحال مع دولة الامارات العربية التي اختارت تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني رغم معارضة كل اطياف الشعب الفلسطيني وقواه السياسية سواء تلك التي في داخل منظمة التحرير الفلسطينية او تلك التي هي خارج المنظمة مثل حركتي حماس والجهاد الاسلامي ، وهو ما اطلق حملة تضامن فلسطينية غير مسبوقة في وجه خطوة تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني أدت الى اعتبار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطوة دولة الامارات بتطبيع العلاقات مع "اسرائيل" طعنة في ظهر القضية الفلسطينية .

في ظل هذه الاجواء السياسية الملبدة كان هناك قرار فلسطيني جامع بالتصدي لمؤامرات التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى "بصفقة القرن" ، وتقرر عقد مؤتمر جامع لقادة الفصائل الفلسطينية في بيروت ورام الله بهدف توحيد الموقف الفلسطيني من مؤامرات التطبيع ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية أولاً ، وتأكيداً على وحدة موقف الشعب الفلسطيني وكافة فصائله من محاولات شرذمة الصف الفلسطيني وتمسكه بحق العودة ورفض التوطين والتهجير ثانيا .

هذه المواقف الفلسطينية الجامعة التي أعلن عنها من رام الله وبيروت لاقت ارتياحا كبيرا في اوساط الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات لكنها لاقت امتعاضاً ورفضاً من قبل بعض الدول العربية ، وهو ما تم ترجمته في مواقف لبعض الشخصيات السياسية والاعلامية في بيروت التي حاولت حرف هدف زيارة اسماعيل هنية الى لبنان عن اهدافها الوطنية وربطها بالصراع السياسي الدائر في المنطقة وبالصراعات السياسية اللبنانية الداخلية .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل خدمت زيارة اسماعيل هنية لبنان ام انها زادت في انقسامات اللبنانيين ؟

في قراءة سياسية لحركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية والمواقف التي اطلقها سواء خلال لقاءاته مع الرؤساء بري ودياب والمفتي عبد اللطيف دريان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يتبين لنا ان اهداف الزيارة لا علاقة لها من قريب او بعيد بالخلافات اللبنانية الداخلية اولا ، وان هدفها تأكيد الثوابت الفلسطينية – اللبنانية برفض التوطين والتهجير ثانيا .

فقد اكد هنية للرئيس بري ان "شعبنا الفلسطيني الذي يعيش في لبنان هو ضيف عليه ، ويرفض أي شكل من أشكال التوطين ، وان مخيماتنا في لبنان ستبقى عنوان استقرار وأمن ولا يمكن أن تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي" وهذه المواقف الوطنية الفلسطينية التي اطلقها هنية من بيروت بعد لقاءاته السياسية المتنوعة يجب ان تكون محط تكريم واشادة من جانب القوى السياسية التي تدعي انها تؤيد القضية الفلسطينية وترفض التوطين لكنها في الوقت نفسه تعمل على محاصرة الشعب الفلسطيني وتثير النعرات العنصرية والطائفية تحت حجة ان لبنان لا يتحمل مثل زيارة هنية لبيروت، لأنها تهدد المبادرة الفرنسية لحل الازمة اللبنانية او لأنها تربط لبنان مجددا بالصراع العربي – الاسرائيلي، وغاب عن هذه القوى السياسية والوسائل الاعلامية ان اقرار "صفقة القرن" وعمليات التطبيع التي تقودها اميركا في المنطقة سوف يؤدي الى توطين الفلسطينيين في لبنان وباقي الدول العربية التي يتواجدون فيها ، وان وجود موقف فلسطيني موحد ضد "صفقة القرن" الاميركية وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني هو اكبر ضمانة للبنان في وجه التوطين الذي تعمل عليه اميركا وحلفاءها في المنطقة ولذلك يمكن اعتبار ما صدر من مواقف رافضة لزيارة هنية الى بيروت كأنها مشاركة في المؤامرة على لبنان وعلى القضية الفلسطينية ولو اتخذت هذه المواقف صفة الدفاع عن "الوطنية اللبنانية" .

باختصار ، زيارة هنية الى لبنان انتصار للبنان واللبنانيين في وجه مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع الجارية في المنطقة ، ولذلك يجب ان تكون موضع ترحيب وتأييد لان لبنان ليس جزيرة في محيط بل هو جزء من المنطقة التي تتعرض لمؤامرة كبرى . فهل يدرك معارضو زيارة هنية للبنان ذلك ؟

بسام غنوم