بسام غنوم

وقع المحذور وسقطت الحكومة والمجلس النيابي في امتحان إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وجرى تبادل للاتهامات بين نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري وحزب الكتائب، حيث اتهم النائب فريد مكاري حزب الكتائب بتطيير جلسة إقرار السلسلة عبر بثّ «الشائعات المغرضة» حولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما نفاه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل وتحدى النائب مكاري والحكومة أن تثبت كلامها.
هذا الجو الذي رافق جلسة البحث عن الضرائب لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وما رافقه من تحركات للمجتمع المدني في مختلف المناطق اللبنانية أصاب الحكومة ورئيسها ورئيس المجلس النيابي والكتل النيابية التي تتبنى فرض الضرائب على اللبنانيين من أجل تمويل السلسلة بالإرباك، واشتعلت حرب التصريحات والتصريحات المضادة في الإعلام وفي الكواليس، وكذلك على صعيد التحركات الشعبية، بحيث أصبحت الأمور «حيص بيص».
فرئيس الحكومة سعد الحريري في كلمته إلى المتظاهرين الرافضين للسلسلة في ساحة رياض الصلح تحدث عن الهدر والفساد في مؤسسات الدولة، وقال للمتظاهرين: «صحيح أن هناك فساداً وإهداراً لكننا سنحاربهما، أتيت إلى هنا لأقول لكم إن الفساد سننهيه، وسنكمل المشوار وهو طويل»، وقوبل موقف الحريري بالصفير والاستهجان ورميه بزجاجات المياه.
أما الرئيس بري فاعتبر أنّ «ما يحصل في حقيقته  هو حملة منظمة على مجلس النواب، والهدف تطيير قانون الانتخاب والانتخابات، بدليل أن العمل كان قائماً على قدم وساق للتوصل إلى قانون انتخاب، وفجأة تحول الموضوع إلى السلسلة»، وأعلن أن الأولوية الآن بالنسبة إلى المجلس النيابي هي قانون الانتخاب ومن ثم يجري إقرار السلسلة.
ولا تختلف مواقف باقي القوى السياسية باستثناء حزب الكتائب عن مواقف الحريري وبري، وهو ما يترك علامة استفهام كبرى حول المسؤول فعلياً عن تطيير جلسة إقرار الضرائب اللازمة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب.
لكن بعيداً عن «الهمروجات» الإعلامية والسياسية التي يجري العمل بها بالنسبة إلى موضوع الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب، هل صحيح أنها لن تؤثر فعلياً بأصحاب الدخل المحدود والاقتصاد اللبناني ككل؟
لنبدأ أولاً من موضوع الضرائب بالمجمل، حيث كما يعلم الجميع فإن فرض الضرائب يتزامن مع ارتفاع التضخم في الاقتصاد، وقد أشار الى ذلك وزير المالية علي حسن خليل في معرض رده على رافضي الضرائب، فقال إن «التضخم وزيادة الأسعار يزايدان الوعاء الضريبي ويؤمنان تمويل السلسلة»، وهذا الكلام صحيح من الناحية الاقتصادية، لكن إذا علمنا أن من سيستفيد السلسلة هو ربع الشعب اللبناني، كما قال الرئيس سعد الحريري، فهذا يعني أمرين: أولاً، إن الفئة التي ستستفيد من إقرار السلسلة والمقدرة بحوالي المليون لبناني ستخسر جزءاً من الزيادات على رواتبها بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم اللذين تحدث عنهما وزير المالية علي حسن خليل.
أما الأمر الثاني، وهو الأهم، فإن ثلاثة أرباع الشعب اللبناني، أي ثلاثة ملايين شخص سيعانون من ارتفاع الأسعار والتضخم وتراجع فرص العمل، وهذا وحده كافٍ لإعادة النظر في سلسلة الضرائب التي يعمل عليها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب.
وهناك نقطة أخرى، وهي الوجود السوري الكبير في لبنان والذي يقارب المليونين والذي يؤثر بصورة مباشرة وسلبية بالاقتصاد اللبناني الضعيف، والدولة اللبنانية دائمة الشكوى لدى المؤسسات الدولية من ضعف التمويل اللازم لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين، فهل أُخذ ذلك بالاعتبار عند إقرار الضرائب اللازمة لتمويل السلسلة؟
إضافة إلى ما سبق، إن موضوع الهدر والفساد الضارب في أطناب الدولة والذي يتحدث عنه الجميع بدءاً برئيسي الجمهورية والحكومة ورئيس المجلس النيابي لم يجرِ تبني خطة واضحة لمكافحته في مختلف القطاعات, ولا سيما في قطاع الكهرباء الذي يستهلك خزينة الدولة منذ عام 1990، أي منذ البدء بتطبيق اتفاق الطائف، وكذلك في الجمارك والمطار وكلها مساريب للفساد تعرفها الطبقة السياسية بالتفصيل الممل، ومع ذلك لم تلحظ الحكومة خطة لمكافحة الفساد في إدارات الدولة، ويبقى الكلام عن محاربة الهدر والفساد في الإطار العام.
وبالحديث عن الهدر والفساد في إدارات الدولة، فإن ذلك عمره من عمر لبنان عامة، ومنذ البدء في تطبيق اتفاق الطائف في عام 1990 خاصة. حيث تحدثت كل الحكومات التي أعقبت البدء في تطبيق اتفاق الطائف من خطط لمواجهة الفساد في الدولة، لكن كل ذلك سقط بفعل الإرادات السياسية للطبقة الحاكمة في البلد، سواء في مزراب الفساد الأكبر في قطاع الكهرباء، مروراً بالجمارك والمطار، وصولاً إلى حجم الدين العام الذي وصل في عام 2016 الى ما يقارب 73 مليار دولار، بينما كان لا يتجاوز  100 مليون دولار في عام 1990.
قد يقول البعض إن جزءاً كبيراً من الدين العام استخدم لإعادة إعمار البلد الذي كان مدمراً بعد الحرب، وهذا صحيح، لكن حجم الهدر والفساد الذي صاحب عملية إعادة الإعمار كبير جداً باعتراف الطبقة السياسية الحاكمة، وأكبر دليل على ذلك قطاع الكهرباء الذي أصبح في حالة يرثى لها.
باختصار، السلسلة حق للفئات المستفيدة منها، لكن على الدولة قبل ذلك وقف الهدر والفساد، واتباع سياسة تقشف في موازنة عام 2017، وإعلان خطة واضحة لتحفيز النمو في الاقتصاد اللبناني المتعثر، وبغير ذلك كل زيادة للضرائب على اللبنانيين هي بمثابة لحس المبرد ولن تقدم أي حل للبنان واللبنانيين.