بسام غنوم

ﺃزمة تشكيل الحكومة .. هل ستبقى عالقة عند عقدة الصلاحيات و المعايير ؟

ما زالت عملية تشكيل الحكومة الجديدة تراوح مكانها رغم الاجواء الايجابية التي سادت في الاسبوع الماضي بعدما تقدم الرئيس سعد الحريري ﺑ "صيغة مبدئية" للتشكيلة الحكومية الى الرئيس ميشال عون , الذي ابدى ملاحظات اولية عليها حسب المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية , لكن يبدو ان هذه الملاحظات الرئاسية كانت كافيه حتى يعتبرها "تكتل لبنان القوي" برئاسة الوزير جبران باسيل انها "تشكيلة رفع عتب" و يؤكد ان "هناك محاولات لاجهاض نتائج الانتخابات النيابية" مظالباﹰ باحترام صلاحيات رئيس الجمهورية .

ويبدو ان نقطة الصلاحيات بالاضافة الى نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة هي محور الخلاف الرئيسي الذي تدور حوله ازمة تشكيل الحكومة الجديدة . فالرئيس عون ومعه "تكتل لبنان القوي" و "حزب الله" يريدون حكومة على قياسهم بكل مافي الكلمة من معنى , اي حكومة تنتقص من صلاحيات رئاسة الحكومة التي اقرّها ﺇتفاق الطائف , تمهيداﹰ اما للعودة الى ما قبل اتفاق الطائف او لمحاولة الوصول الى تعديلات دستورية جديدة تمس بما تم الاتفاق عليه في الطائف , ونغمة نتائج الانتخابات النيابية كمعيار لتشكيل الحكومة الجديدة , تصب في هذا الاتجاه بكل وضوح لان هذا الفريق الذي يعتقد انه يملك الاكثرية النيابية في المجلس النيابي يريد وضع يده على الحكومة , ومن ثم العمل على وضع تعديلات دستورية لاتفاق الطائف لمرحلة لاحقة في المجلس النيابي , ويمكن وضع كلام الرئيس بري حول ان اتفاق الطائف ليس "قرﺂن" ولا "انجيلاﹰ"في هذا الاتجاه .

فهل تبقى عملية تشكيل الحكومة الجديدة معلقة حتى يقبل الرئيس المكلف سعد الحريري بمطالب الرئيس عون و التيار الوطني الحر و "حزب الله" ؟

في اول ردّ فعل مباشر من الرئيس عون على ﺃزمة تشكيل الحكومة الجديدة نفى الرئيس عون في دردشة مع الاعلاميين على متن الطائرة التي اقلته الى ستراسبورغ لالقاء كلمة لبنان في البرلمان الاوروبي , وجود "جهة تعرقل تشكيل الحكومة وفق المعايير و المبادئ التي اطلقتها في خطابي يوم الاول من ﺂب الماضي , التي تلقى تجاوباﹰ من كل الاطراف" , و اضاف ردا على سؤال انه "يهتم حالياﹰ بمسالة الصلاحيات لصرف الانظار عن المسالة الاساسية , وهي تشكيل الحكومة , في حين ان الدستور ينصّ على الشراكة بين الرئاستين الاولى والثانية في التاليف . فليفسروا لنا معنى هذا , اذ لا مجال للاجتهاد بوجود النص الدستوري " .

وعن نيّته توجيه رسالة الى المجلس النيابي هذا الشهر , لحضّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة , اكتفى الرئيس عون بالقول : "يمكن ذلك , وهذا حق دستوري" .

وتكشف مواقف الرئيس عون التي ادلى بها اثناء توجهه الى ستراسبورغ الامور التالية :

اولاﹰ : ان "الصيغة المبدئية" للتشكيلة الحكومية التي تقدم بها الرئيس سعد الحريري الى الرئيس عون والتي اعتبرها الرئيس الحريري انها تشكيلة "حكومة وحدة وطنية" غير مقبولة من الرئيس عون , وهو نفس موقف "تكتل لبنان القوي" الذي اعتبرها تشكيلة "رفع عتب" .

ثانياﹰ : يبدو ان عقدة تشكيل الحكومة ما زالت عالقة عند الصلاحيات الرئاسية التي يعتبرها الرئيس عون دستورية لناحية حقه في "الشراكة بين الرئاسينن الاولى و الثانية في التاليف" .

ثالثاﹰ : موضوع المعايير التي وضعها الرئيس عون ومعه "تكتل لبنان القوي" و "حزب الله" وفريق 8 ﺂذار تؤكد فقط على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة , اي بصريح العبارة حكومة مختزلة بهذا الفريق وتهمش باقي الفرقاء وخصوصاﹰ حزب القوات اللبنانية و الحزب التقدمي الاشتراكي و ايضاﹰ الرئيس سعد الحريري و تيار المستقبل , وهذا الموقف كان واضحاﹰ من العماد عون الذي اعتبر انه "لا يجوز لايّ فئة او طائفة احتكار التمثيل او تهميش فئة لمصلحة اخرى او اقصاء احدّ" .

وقد اثارت مواقف الرئيس عون من قضية الصلاحيات و المعايير الكثير من الغبار السياسي في الساحة السياسية و كان هناك ردود فعل من رؤساء الحكومة السابقين رفضوا فيها منطق الصلاحيات الرئاسية الذي يجري الحديث عنها مقابل صلاحيات الرئيس المكلف , وفي اخر الردود اعتبر مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان في كلمة بمناسبة راس السنة الهجرية انه "لا يفيد الاصرار الحقيقي او الموهوم على الصلاحيات . لانه عندا يتهدد النظام , لا تعود هناك قيمة للصلاحيات او المرجعيات" و اضاف : "نحن مع رئيس الحكومة المكلف , في بعده عن الاثارة , وسعيه للوفاق الوطني , و التوازن الوطني و النهوض الوطني . وعلى هذه الشاكلة الوطنية , نرجو ان تتشكل الحكومة , وتكون حكومتنا جميعاﹰ .

و لم تقتصر الردود فقط على النواحي السياسية بل اثارت رغبة الرئيس عون توجيه رسالة للمجلس النيابي ردوداﹰ دستورية اختصرها الخبير الدستوري صلاح حنين بالتساؤلات التالية :

"هل سيطرح رئيس الجمهورية في الرسالة مسالة تقصيره في عملية التاليف و استقالته هو ايضاﹰ ؟ و لماذا اذاﹰ يسحب التكليف من الرئيس المكلف ولا يسحب انتخاب رئيس الجمهورية ﺇذا كان كلاهما مسؤولاﹰ عن عملية تشكيل الحكومة ؟ لا بل ان المسؤلية الاولى واقعة على عاتق رئيس الجمهورية !"

باختصار عملية تشكيل الحكومة عالقة عند عقدة الصلاحيات اولاﹰ و نتائج الانتخابات النيابية ثانياﹰ . فمتى ستحل هذه العقدة ؟

بسام غنوم