وائل نجم

 الساحة الإسلامية في لبنان تعيش منذ فترة ليست قصيرة حالة من الشعور بالاستهداف على كثير من المستويات، وهو ما ولّد نوعاً من الشعور بالغبن والإحباط وصولاً إلى حدود اليأس من الدولة والمؤسسات والمرجعية والحضور وما سوى ذلك. ويعود السبب في هذا الشعور إلى سياسة الصيف والشتاء على سطح واحد المعتمدة بعيداً عن منطق سيادة القانون والعدالة والشفافية، وفي ظل هيمنة القوة المتمثّلة في أكثر من شكل من الاشكال، ليس أقلها السلاح الخارج عن سلطة الدولة وسيادتها، ولا مسألة القضاء الذي يزين بمقاييس مختلّة ومختلفة في مسألة تكون واحدة بين المكوّنات التي يتشكّل منها البلد.
الساحة الاسلامية تبحث منذ فترة ليست قصيرة عن ذاتها ونفسها في هذا البلد وسط هذه الضوضاء التي كادت أن تجعل هذه الساحة، وهي مكوّن رئيسي في هذا البلد، تكفر بالدولة ومؤسساتها بعدما كانت هي الركيزة الاساسية لقيامة الوطن، وذلك بفضل السياسات التي يتبعها الشركاء في محاولة لإقصاء هذه الساحة تارة، والانتقام منها تارة أخرى، وتجريدها من صلاحياتها طوراً ثالثاً، وتحويلها من حالة المواطنة التي تنادي بها وتنشدها إلى مجرد رعايا ليس لها حقوق إلا الفتات. ولكن هذه الساحة لم تجد إلى الآن ضالتها التي تبحث عنها، لا عند الشركاء الذين تريد شراكتهم، ولا عند المرجعية السياسية التي تمثلها في إدارة الدولة، خاصة أن الشعور عند هذه الساحة بأن هذه المرجعية انحدرت في مستوى تنازلاتها إلى مستوى خطير يهدد مساحة الشراكة في الوطن التي تتميز بها هذه الساحة مع الساحات الأخرى في استمرار لبنان، وهذا بالطبع أمر خطير جداً قد يدفع هذه الساحة إلى مكان لم تكن يوماً ترتضيه أو تريده لنفسها.
بين قرار المرجعية ومطالب الشارع تتأرجح الساحة الاسلامية محاولة الخروج من هذه الحالة بأقل الخسائر. هي لم يعد يهمّها خسارة مرجعية، إنما يهمّها أن لا تخسر وجودها ودورها موقعها في هذا البلد. لا يهمّها تحت عنوان التضحية من أجل البلد أن يُضحّى بها لمصلحة الشركاء الذين لا همّ لهم سوى مصالحهم الخاصة، وكأن البلد شركة أو سوق عليهم أن يربحوا منه ما يستطيعون قبل الإقفال!
على مدى الشهور الماضية كان واضحاً للعيان أن المرجعية السياسية للساحة الاسلامية في لبنان قدّمت سيلاً من التنازلات الكثيرة والكبيرة والخطيرة تحت عنوان إنقاذ البلد، ولكن للأسف فإن الشركاء الآخرين لم يقابلوا إلى الآن هذه التنازلات سوى بمزيد من التعنّت والمطالب بمزيد منها، بل وأكثر من ذلك  بمزيد من استهداف هذه الساحة دونما أي اعتبار للموقع الذي تمثله المرجعية السياسية التي تمثّلها.
لقد قدّمت المرجعية السياسية ولا تزال الكثير، وأضعفت إلى حد كبير الموقع المخصص للساحة الاسلامية على مستوى إدارة الدولة، وتجاهلت الكثير من مطالب شارعها إرضاءً للشركاء الآخرين، القدماء منهم أو الجدد، الخصوم منهم أو الاصدقاء، وضربت عُرضَ الحائط بمشاعر أهلها وشارعها من دون أدنى اعتبار لهذا الشارع، متفردّة بقرارها وكأنه ملك لها دون شارعها، ما جعل حالة الاحباط  تكبر ككرة ثلج، حتى راحت الأمور تظهر وكأن المرجعية السياسية في مكان، والشارع الشعبي في مكان آخر، وقد عبّر عن ذلك حتى بعض النواب الذين كان بعضهم، وما زال بعضهم الآخر ينتمي إلى الخط السياسي الذي تقول المرجعية إنها تنتهجه وتمثّله. فكيف يمكن أن تتصرّف هذه الساحة الاسلامية حيال كل ما يجري؟
الحقيقة كما أنه ليس هناك من هو أكبر من بلده، فإنه ليس هناك من هو أكبر من ساحته التي يتحدث باسمها أو ينتمي إليها. ليس هناك من يمكنه أن يحتكر قرار البلد، وكذلك ليس هناك من يمكنه أن يحتكر قرار الساحة التي انطلق منها ويستظل فيء عباءتها.
الحراك في هذه الساحة على مدى الشهور الماضية، إن لم نقل السنوات الأخيرة المنصرمة كان واضحاً في امتعاضه من أداء المرجعية، ومن مواقفها وتنازلاتها وخياراتها السياسية. لقد كان آخر تعبير عن صور الانفصال بين المرجعية ومشاعر الشارع في عدم إقامة أي اعتبار لمشاعر هذا الشارع في عطلة يوم الجمعة. لذا باتت الساحة الاسلامية اليوم أمام تحدّي الحفاظ على شخصية المرجعية وخسارة الدور والموقع في البلد تدريجياً، أو الأخذ بزمام المبادرة والحفاظ على الدور والموقع حتى ولو كان ذلك على حساب التضحية بشخصية المرجعية. فاستعادة الشخصية المرجعية أسهل بكثير من استعادة دور الساحة المكوّن، وهذا ما يجب أن تفهمه المرجعية والشارع قبل فوات الأوان.}