بسام غنوم

تعيش الساحة اللبنانية في هذه الأيام على وقع التوترات الأمنية المتنقلة من بيروت إلى البقاع، وصولاً إلى حلب التي أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أنه سيخوض معركتها باعتبارها أم المعارك لحماية النظام السوري ولبنان، وهو ما ترك انطباعاً بأن الحلول السياسية مؤجلة حتى إشعار آخر.
لكن طرح موضوع السلة السياسية المتكاملة لحل الأزمة السياسية المستعصية منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان قبل أكثر من سنتين، ومع التمديد للمجلس النيابي الحالي أكثر من مرة، وما كشفته نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة من حالة تململ شعبي في مختلف المناطق اللبنانية وحتى على صعيد الطوائف، جعل موضوع السلة السياسية التي يعمل عليها الرئيس نبيه بري باعتبارها الحل الأمثل لما يعانيه لبنان واللبنانيون على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، بمثابة كوّة في جدار التصلب السياسي الذي يتمسك فيه حزب الله بترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وفتح النقاش حول إمكانية الوصول لحلول وسط في ما يتعلق بالقانون الانتخابي العالق وسط زحمة المشاريع الانتخابية المطروحة في المجلس النيابي التي تبدأ من النسبية الكاملة وتمرّ بالنسبية المختلطة وتصل إلى القانون الأرثوذكسي، ومع الحديث عن أن السلة تشمل أيضاً معالجة الشأن الحكومي، وبذلك يصبح موضوع السلة السياسية المتكاملة التي تقرر بحثها في خلوة طاولة الحوار القادمة في 2 و 3 و4 آب القادم هو الحل في مواجهة «الفراغ الشامل إن لم أقل الدمار الشامل» كما قال الرئيس نبيه بري.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تؤمن السلة السياسية التي يطرحها الرئيس نبيه بري الحلول للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، وما هي أسباب الاعتراض الشديد عليها؟
في البداية، يمكن القول إن أحد أسباب الاعتراض الرئيسية على السلة السياسية التي أعلنها الرئيس بري وصفها بـ«الدوحة اللبنانية»، وسبب الاعتراض هو أن «اتفاق الدوحة» الذي جاء بعد حوادث 7 و11 أيار 2008 والذي تضمن ثلاثة بنود رئيسية، وهي اسم رئيس الجمهورية حيث جرى التوافق على اختيار الرئيس ميشال سليمان، ورئيس الحكومة الانتقالية قبل وبعد الانتخابات النيابية، حيث اختير الرئيس سعد الحريري ليكون رئيس الحكومة الأول في العهد الجديد، وصولاً إلى قانون الستين الذي جرت على أساسه الانتخابات النيابية الأخيرة. 
وقد أثبتت الأحداث التي تلت «اتفاق الدوحة» أن هذا الاتفاق كان اتفاقاً مرحلياً ولم يأت بالحل للوضع في لبنان.
 فالرئيس ميشال سليمان بفعل أنه جاء باتفاق مسبق عليه من قبل القوى المشاركة في اتفاق الدوحة لم يستطع أن يمارس صلاحياته بما يتعارض مع هذا الاتفاق، وعندما حاول في أواخر أيام ولايته الرئاسية أن يمارس دوره الطبيعي كرئيس للجمهورية، ولا سيما في ما يتعلق بتحييد لبنان عن الوضع المتفجر في سوريا، أصبح شبه معزول سياسياً من قبل حزب الله والعماد ميشال عون.
أما الرئيس سعد الحريري فكانت فترة رئاسته للحكومة مليئة بالمشاكل والعقد في مجلس الوزراء بسبب الخلاف مع حزب الله حول العديد من الملفات الداخلية، ولا سيما ما يتعلق بدوره في القتال إلى جانب النظام السوري، وانتهى الأمر بإسقاط الحكومة عبر الوزير الملك، واخراج الرئيس سعد الحريري من الحكومة بطريقة مهينة رغم التعهدات السابقة في اتفاق الدوحة بعدم إسقاط الحكومة.
أما المجلس النيابي الذي جاء بناءً على قانون انتخاب عام 1960، فأصبح في خبر كان، بعد الاعتراض عليه أولاً، لأنه أعطى الأكثرية النيابية لفريق 14 آذار، وحيث اعتبر حزب الله أن فريق 14 آذار يملك الأكثرية النيابية، ونحن نملك الأكثرية الشعبية، وبالتالي وصل الحال إلى عجز المجلس النيابي عن عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد 39 جلسة انتخاب.
بعد هذا الاستعراض للفترة السياسية التي تلت اتفاق الدوحة وما أدت إليه من مشكلات وعقبات وتعقيدات يمكن فهم الاعتراض السياسي الشديد من قبل العديد من النواب والشخصيات على طرح السلة السياسية التي يعمل عليها الرئيس نبيه بري. فالرئيس بري يطرح التوافق على اسم رئيس للجمهورية، وكما يعلم الجميع فإن حزب الله متمسك بالعماد عون لرئاسة الجمهورية، ويطرح أيضاً الاتفاق على اسم رئيس الحكومة القادم، أي الرئيس سعد الحريري. وأما قانون الانتخاب، فالمطروح هو القانون المختلط. أي إن الحل أو السلة السياسية تريد إعادة اتفاق الدوحة ولكن برئيس للجمهورية موال لـ«حزب الله»، ورئيس للحكومة يمكن أن يتعرض لما حل به سابقاً بعد «اتفاق الدوحة» وبمجلس نيابي لن يختلف كثيراً عن المجلس الحالي.
هذا الحل الذي يعمل عليه الرئيس نبيه بري يصادر أول ما يصادر خيار اللبنانيين الديمقراطي في اختيار ممثليهم في المجلس النيابي حيث سيكون هؤلاء ملتزمين سلفاً برئيس للجمهورية ورئيس للحكومة متفق عليهما، وهذه نقطة مهمة ولعلها أهم نقطة في فشل اتفاق الدوحة.
النقطة الثانية -وهي رأيي الأهم- هي أن السلة السياسية التي يطرحها الرئيس بري لا تتحدث من قريب أو بعيد عن سلاح حزب الله ودوره في القتال بسوريا والعراق واليمن وتهديده لاستقرار لبنان الاقتصادي عبر زجّ لبنان في صراعات إيران مع السعودية ودول الخليج العربي.
فهل يمكن أيّ اتفاق سياسي مهما كان هذا الاتقاف وشكله ومواصفاته أن ينجح إذا غضَّ النظر أو أعطى الشرعية لمغامرات حزب الله في سوريا والمنطقة؟ وهل يضمن الرئيس سعد الحريري أن لا تتكرر تجربة إقالته مرة أخرى؟
أسئلة كثيرة مطروحة على الرئيس سعد الحريري الذي يبدي صمتاً مريباً قد يدفعه إلى خيار يكون بمثابة انتحار سياسي أخير بعد خيار سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. فهل يضحّي سعد الحريري بمستقبله السياسي كرمى لعيون حزب الله؟