العدد 1566 /7-6-2023

باسل. ف. صالح

علّمتنا التجارب أن ما يصرّح حزب الله بشأنه لا يمكن أخذُه إلا على محمل الجدّ، وأن ما يزعج حزب الله أغلب الظن ألا تمر الأيام مرور الكرام عليه، بل هي مجرّد مسألة وقت، قبل أن يتصرف الحزب ويُقدم على أمر ما لمواجهته. كل الحقبات والاستحقاقات السابقة خير شاهدٍ على المسألة، حيث جرى تغليفها بمجموعة رسائل مباشرة تم توجيهها إلى الأشخاص المعنيين، وذلك في إحدى المنصّات المرتبطة بالحزب عضويًا، أو التي تدور في فلكه.

من هنا، يمكن النظر إلى نشر صورة المرشّح الذي برز اسمه أخيرا لرئاسة الجمهورية، أي وزير المالية الأسبق جهاد أزعور الذي تتجه إلى تبنّي إعلان ترشيحه أطياف المعارضة والقوى المسيحية بمجملها بالإضافة إلى التيار الوطني الحر، والذي يأتي ترشيحه في مواجهة ترشيح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية. وفي السياق، يمكن وضع الصورة التي نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية المرتبطة بالحزب وبتفاصيل الخطاب الذي تضخّه ماكينته الإعلامية والسياسية، للمرشّح أزعور بجانب الوزير محمد شطح الذي اغتيل في السابق، وتدور الشبهات حول علاقة ما لحزب الله في عملية الاغتيال تلك، في سياق علاقة الحزب بمجموع الاغتيالات التي سبقت ذلك، والتي أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مسؤولية عناصر من حزب الله عنها.

ليس عرضيًا أن تُنشر، في المنصّات التي حملت خطاب "تحسّس الرقاب" ومجمل خطب "الاتهام" و"التخوين" و"التهديد والوعيد" وصولًا إلى التغنّي بـ "الإسكات"، صور يمكن وضعها في سياق المصادفة أو في سياق قلة الانتباه، وليس في سياق إيصال رسالة مبطّنة لكنها مباشرة لأزعور، ولمن يقف خلف ترشيحه، وذلك بالتوازي مع تأدية الحزب دوره في إبقاء الباب مفتوحًا أمام كل محاولات التنصّل مما يمكن أن يحدُث، خصوصًا أن اللبنانيين يعلمون أن مسألة منافسة الثنائي الشيعي عمومًا، وحزب الله على وجه الخصوص، على مطلق ملف في لبنان أو في المنطقة، لا يمكن أن تأتي على نسق ديمقراطي، ولا يمكن الركون فيها إلى الإبقاء على الممارسة المؤسساتية القانونية التي تقوم على التصويت أو المفاضلة، بحيث تركن الأطراف بأكملها إلى الديمقراطية وإلى ما تنتجه من نتائج الخسارة والربح. بل يعلم اللبنانيون إن ما لن يكون على مزاج الحزب لن يرى النور، وأنه سيستخدم منطق القوّة لمواجهته ولإنهائه حين تقتضي حاجته ذلك.

وبمعزل عن الموقف من أزعور، ومما يمثله من علاقةٍ مع البنك الدولي وصندوق النقد، ولاحقًا تسليم البلد لسياساته، وبمعزل عما يمثله أزعور من تيار داخل النظام اللبناني يتحمّل جزءا أساسا من مسؤولية ما وصلنا إليه، إلا أن الأمر يتعارض مع أبسط أسس الديمقراطية بالتنافس مع حزبٍ يهدّد ويتوعّد عند كل منعطف. ومع ما يمثله ذلك من تقويض أي إمكانية للتنافس في مطلق مناسبة، وتحت أيٍّ من عناوين تداول السلطة، وصولًا إلى محاولات نقد أدائه في مطلق مؤسّسة. إذ سرعان ما يعمّم حزب الله خطاب التخوين ضد مطلق من يعارضه، على اعتبار أن هناك حقا حصريا عند الحزب للتماهي مع الحق، والفضيلة، والحقيقة، والوطنية، وجميع مفردات الخير المحض في السياسة والاجتماع والاعتقاد والاقتصاد ... إلخ. فما الذي يمكن أن يستشفه المتابع من كلام محمد رعد حين يقول إن أزعور "مرشّح مناورة مهمّته مواجهة ترشيح من دعمناه وإسقاطه"، منتقدًا ترشيح "مثل هؤلاء"، مطالباً بتفاهم "وطني وشراكة حقيقية تحفظ البلد" غامزًا من قناة التخوين حين يضيف "أن التعليمات الخارجية كانت توجّه البعض في لبنان الذين يملكون الوقاحة اللازمة للتصريح علناً برفضهم وصول مرشّح للممانعة، في مقابل رضاهم بوصول ممثل الخضوع والإذعان والاستسلام"؟

وهل يفهم من كلام حسن فضل الله شيئ مختلف حين يضرب عرض الحائط بكل قواعد الديمقراطية في انتخابات الرئاسة، حاسمًا بعدم وصول المرشّح الخصم إلى القصر الجمهوري في بعبدا، منتقدًا ما يجيزه الآخرون لأنفسهم متناسيًا أن حزب الله أيضًا يجيز لنفسه ما لا يرضى به غيرُه، وذلك حين يقول: "إن دور المجلس النيابي انتخاب رئيس لكل اللبنانيين، وليس رئيسا لفريق سياسي نهجه الفرض والإلغاء، فهم يجيزون لأنفسهم ترشيح من يريدون، وعندما تدعم كتل أخرى صديقا لنا يسمّون ذلك فرضا، لأن عنوان معركتهم هو رفض الرئيس القادر على التواصل مع الجميع محليا وخارجيا، وفرض الرئيس الذي يحمل صفة المواجهة، ويجرون لمن يرشّحونه اختبارات عن استعداداته لهذه المواجهة وعلى أساسها رشّحوه، وهم يتوهمون أنهم بذلك يمكنهم أن يوصلوه إلى الرئاسة، ونقول لهم لا تتعبوا أنفسكم وتهدروا الوقت، فلن يصل مرشّح التحدي والمواجهة إلى بعبدا أيا يكن اسمه"؟

هذا غيض من فيض ما يعايشه اللبنانيون عند كل استحقاق داخلي، وفي مقدمها تلك الاستحقاقات التي ذهبت أغلبية اللبنانيين معها باتجاهات مخالفة لرغبة الحزب ولمصالحه، والتي لم ترَ نتائجها النور يومًا، وفي مقدمها انتفاضة تشرين 2019. كلها لم توصلنا إلا إلى معادلة مستمرّة منذ بداية استحكام حزب الله في مفاصل السلطة والدولة في لبنان، فإما ما يريده حزب الله، أو العنف في القضاء على ما يريده الآخرون. إما أن يكون كل شيء وفق ما يحلو له، أو أن الآخرين بأكملهم يناورون ويتآمرون عليه وعلى الطائفة من خلفه، الطائفة التي يعمل جاهدًا، وفي كل خطواته، على الإبقاء على مصادرة تمثيلها والهيمنة عليها وعلى كل مراكزها.