عمّار نعمة - المدن

عندما أطلقت الجماعة الإسلامية وثيقتها «رؤية وطن»، كان من الواضح أن هذا الأمر يتم بروحيّة واحدة بين مكونات الحركة الإسلامية في أكثر من مكان. فالجماعة التي باتت اليوم لبنانية الهوية وإسلامية التوجهات، تنطلق من واقعها المحلي في مقاربة التطورات، الداخلي منها والخارجي.
وتبدو الحركة مرتاحة مع قاعدتها الشعبية لناحية الخيارات التي تتخذها، ويظهر لمراقب مواقفها تلك المرونة السياسية غير الخاضعة للمواقف المتشنجة وتلك المتطرفة، علماً أن الحديث عن تراجع سابق لبعض شعبيتها، لمصلحة تيارات سلفية، قد خفتت آثاره اليوم في ظل المحدودية التي أظهرتها تلك التيارات وافتقارها إلى البرنامج المحدد.
ويظهر الموقف غير المتشنج من الجماعة، مثلاً، في مقاربة موضوع الساعة اليوم، المتمثل في معركة حزب الله مع المسلحين في جرود عرسال. ومع معارضة الحركة هجوم قوات الحزب على جرود عرسال، إلا أنها لا تلجأ إلى توجيه سهام الاتهام إلى الحزب، كما لجأ اليه البعض. ويقول رئيس المكتب السياسي أسعد هرموش، لـ«المدن»، إن «الجماعة متمسكة بسياسة النأي بالنفس عن الأحداث السورية، التي نضع تحرك الحزب في اطارها، والذي يلبس لبوس الأجندة الإقليمية والدولية»، مذكراً بأن هجوم الحزب حصل في معظمه في الأراضي السورية وتلك المتنازع عليها مع لبنان.
يقف هرموش موقفاً متوازناً حيال «الاستمرار في تأييد الثورة السورية، ولكن معارضة الإرهاب وممارساته»، مشدداً على أن القيام بتلك المهمة يقع على عاتق الأجهزة اللبنانية وعلى رأسها الجيش اللبناني. ويشير القيادي في الجماعة إلى أن الجيش قام بمهمة كبيرة عبر توفير حزام أمان حول بلدة عرسال والنازحين، داعياً في الوقت عينه إلى تحقيق شفاف حول الأحداث الأخيرة في مخيمات النازحين. وفيما يشير إلى التحقيق الذي قام به الجيش بشأنها، يطالب بعدم التعسف في استعمال الحق، مع رفض أي وجود للإرهاب في تلك المناطق.
والحال أن أحداث عرسال تطرح السؤال عن العلاقة الملتبسة بين الجماعة والحزب. ومن الواضح أن العلاقة قد تجاوزت الخصومة السابقة، وهي في اطار العودة إلى ما كانت عليه، في ظل قنوات هامشية تُبقي على الحد الأدنى، وتفتح قنوات للحوار بشأن الملفات المشتركة وأهمها الصراع مع إسرائيل، وقضية الوحدة الاسلامية، كما يشير هرموش.
تُسلم الجماعة للحزب بأنه الأكبر في لبنان، ويستشرف المتابع لنبض بيئة الحركة أن ثمة تململاً كبيراً مما يشعر به كثيرون أنه انتصار لمحور ما على آخر في سوريا.. لكن هذا الأمر لا يحبط تلك البيئة، وثمة حوار قائم مع الحزب أزال كثيراً من المخاوف التي انتشرت على صعيد العلاقة السنية الشيعية في لبنان، مع احتفاظ الحركة بمواقفها المعارضة لـ«توريط الحزب لنا في معارك في أكثر من بلد عربي».
ويؤكد هرموش أن الجماعة، التي ما زالت ملتزمة القضية الفلسطينية، ستقف جنباً إلى جنب مع حزب الله في مواجهة أي عدوان إسرائيلي على لبنان.. إن حصل هذا العدوان. وتعارض الجماعة، وفق هرموش، قانون العقوبات الأميركي المعد ضد الحزب. ومن المفيد القول إن العلاقة مع الحزب لا تُسقط نفسها على العلاقة مع إيران، راعية الحزب، ولا تواصل رسمياً معها، لكن هذا الانقطاع لا ينفي وجود قنوات اتصال أخرى، على طريق محاولة رأب الصدع الذي شاب العلاقة منذ عام 2011، سنة بدء الأحداث في سورية.
على صعيد البيئة السنية نفسها، ثمة ارتياح لدى الجماعة حيال موقعها في صدارة التيارات الاسلامية في لبنان. لكن، في المقابل، ثمة مرارة دائمة لدى الحركة من «التعامل الفوقي» معها من قبل تيار المستقبل. والواقع أن العلاقة «طبيعية» وفق هرموش، لكن المحك سيكون لدى مقاربة ملف الانتخابات.
في عام 2009، تلقت الحركة وعوداً كثيرة من زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، ووصل الأمر إلى تقديم الوعود بحصول الجماعة على أربعة مقاعد نيابية، الأمر الذي تمخض عنه مقعد وحيد للنائب عماد الحوت في بيروت!
اليوم، تتكرر الوعود نفسها، لكن ثمة ثقة لدى قياديي الحركة في حظوظها مع اقرار قانون انتخابات على أساس النسبية، وإن لم تكن نسبية كاملة. وسيضع هذا الأمر اقتناص المقاعد على عاتق الحركة الإسلامية، بالدرجة الأولى، دون نفي أهمية التحالفات التي ستقوم الجماعة بها، في ظل ارتباك يشعر به الجميع، وفق هرموش.
وقد بدأت الحركة بالاستعداد لموسم الانتخابات عبر المباشرة في عملية احصاء وتجهيز تنظيمي لمختلف مؤسسات الحركة، استعداداً للمرحلة الاكثر أهمية، والمقدرة زمنياً قبيل ثلاثة إلى أربعة أشهر من الانتخابات.
لا يمكن الحديث عن الجماعة دون الاطلالة على رأيها تجاه الازمة الخليجية الحادة، بين قطر حاضنة الحركة الإسلامية من جهة، والسعودية ذات العلاقة التاريخية الحذرة تجاهها، والامارات، العدو التاريخي للإخوان، ومعهما مصر، العدوّ الآخر. من جهة أخرى. يبدو النضج السياسي واضحاً لدى قادة الحركة عبر عدم الهجوم على المحور المقابل لهم.
يطلب هرموش «قراراً أبوياً» من قبل الرياض لحل الخلاف، مع تأييده مساعي الكويت وتلك التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويشير قادة الجماعة إلى أن هذا الخلاف قد أضر بالمحور المقابل لإيران، لكن المهم في الأمر، أن ثمة شعوراً لدى الجماعة أن هذا الخلاف يشكل مطلباً أميركياً بالدرجة الأولى.
لكن، هل هناك مساع سعودية، كما يشاع، لاجتذاب الجماعة؟}