قاسم قصير

في أول إطلاقة حوارية وإعلامية له، نظَّم معهد الدراسات المستقبلية في بيروت (يشرف عليه الزميلان إيلي شلهوب وميشال أبو نجم مع باحثين آخرين) حلقة حوارية خاصة حول امكانية الخروج من الأزمة اللبنانية المتفاقمة، شارك فيها الوزير سجعان قزي والنائب السابق والمسؤول في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، وأدارها ميشال أبو نجم، وحضرها عدد من الشخصيات السياسية والفكرية والإعلامية. تميزت الحلقة بالحوار الجريء والصريح حول أسباب الأزمة اللبنانية، والمشكلات التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة، وعُرضت بعض الأفكار والاقتراحات حول الخروج من هذه الأزمة.
هذه الحلقة الحوارية تضاف إلى غيرها من النقاشات والحوارات والمؤتمرات التي يشهدها لبنان في هذه المرحلة، من أجل البحث الجدي في أسباب الأزمة في لبنان، وكيفية الخروج منها. وتتزامن هذه الحوارات التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني أو من خلال مبادرات القوى والأحزاب اللبنانية، مع الجهد الحثيث الذي يبذله الرئيس نبيه بري، إن من خلال جلسات طاولة الحوار اللبناني، أو عبر اللقاءات الثنائية بين تيار المستقبل وحزب الله، أو عبر الجهود التي يجري العمل لها بالتعاون مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وأطراف سياسية أخرى من أجل «فتح كوة» في جدار الأزمة، إن من خلال تسهيل انتخاب رئيس جمهورية جديد وتشكيل حكومة جديدة والاتفاق على قانون للانتخابات، أو من خلال وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة المستمرة ولمنع العودة إلى مثل هذه الأزمات.
فماذا دار في الحلقة الحوارية التي نظمها معهد الدراسات المستقبلية حول الخروج من الأزمة اللبنانية؟ وهل هناك حلول أو اقتراحات عملية لرسم خريطة طريق مستقبلية لمعالجة هذه الأزمة؟
الطروحات في الحلقة الحوارية
بداية ما هي أبرز الأفكار والطروحات التي قدِّمت في الحلقة الحوارية لمعهد الدراسات المستقبلية حول الأزمة اللبنانية؟
بعد تقديم سريع للزميل ميشال أبو نجم حول طبيعة الأزمة اللبنانية اليوم والأسئلة التي تطرح في هذا المجال، تحدث الوزير سجعان قزي بصراحة وجرأة حول الواقع اللبناني معتبراً «أن لبنان يعيش منذ نشوئه في ما يمكن تسميته (حالة أزموية)، أي انه في أزمة مستمرة وفي كل مرحلة يحتاج إلى علاج معين أو تسوية مؤقتة لمواجهة تداعيات الأزمة كما حصل عام 1958 وبعد الحرب اللبنانية، وكذلك من خلال اتفاق الدوحة بعد أحداث أيار 2008.
وأوضح قزي قائلاً: نحن أمام تخوف كبير من ان بقاء لبنان الكبير أو نشوء دويلات لبنانية صغيرة بسبب الأزمات التي يواجهها لبنان على صعيد التعايش والديمقراطية والحرية والحياد. والمشكلة ليست في انتخاب رئيس معين للبنان (مع أهمية الانتخاب)، بل في الصراع حول مستقبل لبنان ودوره في المنطقة، وهذه الأزمة لا يمكن ان تحل قبل حصول التسوية في سوريا.
وعرض قزي للمشكلات والأزمات التي يواجهها لبنان على صعيد الطبقة السياسية والفساد وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ووصول النظام الحالي إلى حائط مسدود وصعوبة حصول التغيير وامكانية تحول أية محاولة للاعتراض على النظام الى حرب أهلية.
من جهته النائب السابق مصطفى علوش عرض للأسباب العميقة للأزمة اللبنانية، معتبراً ان نشوء الكيان اللبناني الكبير أدى الى الخروج من الديكتاتوريات السياسية والاجتماعية والمجتمع الأحادي، ولذا يجب الحفاظ على لبنان ودوره.
واعتبر علوش ان السبب الأساسي للأزمة التي يواجهها لبنان ليس مشكلة انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة أو جراء انتخاب، بل وجود «السلاح غير الشرعي»، وعدم احتكار السلطة للسلاح أو العنف الشرعي. فلبنان كان فيه رئيس وحكومة وجرت فيه الانتخابات، لكن الأزمة كانت قائمة.
وبعد ذلك دار نقاش بين المشاركين والوزير قزي والنائب السابق علوش، وقدَّم بعض المشاركين وجهة نظر تؤكد أن أسباب الأزمة في لبنان ليست سلاح حزب الله أو المقاومة، بل بسبب النظام الطائفي والفاسد، وان الأزمات التي عاش فيها لبنان منذ تأسيسه وكانت قبل نشوء حزب الله وبروز دور المقاومة في لبنان، فيما أشار مشاركون آخرون إلى مشكلة التربية في لبنان وعدم وجود نظام تربوي يُسهم في تعزيز المواطنية والانتماء للبنان، وبرزت وجهة نظر أخرى تؤكد أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني وامكانية بروز حالة اعتراضية شعبية عبر الانتخابات، كما حصل خلال الانتخابات البلدية الأخيرة وعبر الحراك الشعبي والشبابي.
سبل الخروج من الأزمة
لكن هل يمكن الخروج من الأزمة التي يواجهها لبنان حالياً، وهل هناك حلول مؤقتة أو دائمة؟
خلال «حلقة الحوار» اعتبر الوزير قزي «ان لبنان يحتاج لعمليات تجميل دائمة وانه يجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبعد انتخاب الرئيس يُدعى الى طاولة حوار سياسية لبحث مختلف الملفات الساخنة، وبموازاة ذلك يُدعى الخبراء والباحثون إلى طاولة حوار لدراسة مختلف القوانين الأساسية وكيفية اجراء تعديلات عليها، وخصوصاً قانون الانتخاب، وكذلك التعديلات الضرورية للدستور وتطبيق ما لم يطبَّق في اتفاق الطائف».
أما النائب السابق علوش، فهو يعتبر ان الطريق الوحيد لمعالجة الأزمة اللبنانية «انهاء السلاح غير الشرعي لأنه السبب الأساسي للأزمة».
وفي موازاة هذه الآراء، هناك عدد من الناشطين السياسيين والخبراء والباحثين الذين عقدوا اجتماعات بعيداً عن الأضواء خلال السنتين الماضيتين، وتوصلوا إلى خلاصة «انه لا سبيل للخروج من الأزمة التي يواجهها لبنان إلا من خلال رؤية اصلاحية متكاملة تتضمن اقرار قانون انتخاب جديد غير طائفي، مع العمل لإنشاء مجلس الشيوخ على أساس طائفي ويمثل الطوائف اللبنانية ويُسهم في معالجة هواجسها، وبموازاة ذلك يجري البحث مجدداً في اتفاق الطائف والمواد التي لم تطبق لاستكمالها واقتراح تعديلات على المواد التي طبقت وبرزت فيها بعض التغييرات، على ان تُبحَث جدياً امكانية التداول في المواقع الرئاسية الاساسية ويُعاد البحث في دور سلاح حزب الله والمقاومة وكيفية استيعابه ضمن الدولة اللبنانية».
ويعتبر هؤلاء الخبراء «ان لا سبيل للخروج من الأزمة اللبنانية إلا من خلال رؤية متكاملة وشاملة، وإذا لم يكن بالإمكان البحث في هذه الرؤية حالياً بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية والأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة، فإن المطلوب وضع هذه القضايا على طاولة البحث على مستوى الخبراء والباحثين من أجل اعداد أفكار وتطورات وحلول لمختلف الأزمات يمكن تطبيقها في الوقت المناسب».
وقد أشارت بعض الأوساط الإعلامية الى ان الرئيس السابق ميشال سليمان و«لقاء الجمهورية» الذي يرأسه بدأ الأعداد لتصور متكامل للتعديلات الدستورية المطلوبة من أجل طرحها في الوقت المناسب.
وبالمقابل، فإن الرئيس حسين الحسيني والعديد من القوى السياسية والحزبية يطرحون منذ مدة عدة أفكار واقتراحات لمعالجة الأزمة اللبنانية عبر الذهاب الى انتخابات جديدة وفقاً لقانون انتخاب جديد أو تشكيل ما يمكن تسميته «هيئة انقاذية» تتولى الاشراف على المرحلة الانتقالية إلى حين انتخاب مجلس نيابي جديد وتشكيل حكومة جديدة.
كل هذه الأفكار تؤكد أننا أمام أزمة مستعصية ،وان انتخاب الرئيس لن يحل المشكلة إذا لم تُبحث بعمق أسباب الأزمة وإذا لم تقدَّم رؤية شاملة ومتكاملة لحل الأزمة اللبنانية.