العدد 1426 / 2-9-2020
بسام غنوم

شكل اختيار السفير مصطفى اديب رئيسا لتشكيل الحكومة الجديدة مفاجاة غير محببة لكثير من اللبنانيين، الذين كانوا يعولون على الدور الفرنسي لاختيار رئيس جديد للحكومة يمثل تطلعات اللبنانيين الذين نزلوا الى الشارع في 17 تشرين اول 2019 ، ويكون في الوقت نفسه قادرا على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لانقاذ لبنان من ازماته الاقتصادية والمالية والسياسية ، ولا يكون نتاجا للتسويات السياسية التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه من انهيار اقتصادي وسياسي يهدد بزواله كما قال الرئيس ماكرون.

لكن ما جرى سواء في الاتصالات السياسية التي جرت في الكواليس بين فرنسا وايران ، والضغوط السياسية التي مارسها الرئيس ماكرون على السياسيين اللبنانيين اثمر تسوية سياسية مخيبة بكل مافي الكلمة من معنى شبيهة بالتسوية السياسية بين الرئيسين عون والحريري التي ادت الى وصول لبنان الى الانهيار الاقتصادي والسياسي ، وكذلك نزول اللبنانيين الى الشارع في 17 تشرين اول 2019 ، وبعد انفجار المرفأ في 4 آب ، وبالتالي يمكن القول ان المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ماكرون لانقاذ لبنان و "منع لبنان من الزوال" انما هي استنساخ للتسوية الرئاسية بزعامة فرنسية لا اكثر ولا اقل .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تشكيل حكومة ماكرون – اديب خشبة خلاص لانقاذ لبنان من ازماته الاقتصادية والسياسية ؟

في ضوء المعطيات السياسية المتوافرة عن الاجواء التي سبقت تسمية الدكتور مصطفى اديب رئيسا لتشكيل الحكومة الجديدة ، يمكن القول ان لبنان عاد مجددا الى زمن الوصايات السياسية السابقة ، حيث يكون اختيار الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة معروفاً سلفا وتكون الاستشارات النيابية الملزمة شكلية لا قيمة لها بسبب التوافق المسبق على اسم الرئيس المكلف .

هذا الامر الذي ينطبق على الرئيس المكلف مصطفى أديب لاقى ويلاقي ردود فعل سلبية سواء في الوسط السياسي او في الشارع ، فالنائب نهاد المشنوق اعتبر "ان التزام نادي رؤساء مجلس الوزراء بالموافقة المسبقة للتحالف الحاكم وتحديدا حزب الله باسم الرئيس المكلف، يشكل تخليا عن الامانة الوطنية التي وضعت بين ايدي الذين ائتمنوا عليها" ، واما حزب القوات اللبنانية فقال :"ان ترف الوقت لم يعد موجودا وحان وقت الخيارات لتغير الواقع المزري . من هذا المنطلق اخترنا نواف سلام لأنه لا تجارب مجهولة معه" .

هذا على صعيد المواقف السياسية، اما صعيد المواقف الشعبية فان الردود كانت سلبية وحادة في وجه الرئيس المكلف عندما زار المناطق المتضررة من انفجار بيروت ، والقوى الشعبية وهيئات المجتمع المدني دعت الى تظاهرة كبرى في ساحة الشهداء رفضا للطريقة التي تم اختيار الرئيس المكلف مصطفى أديب باعتبار انها تمثل عودة للتسويات السياسية السابقة التي اوصلت لبنان الى ما وصل اليه من فساد وانهيار اقتصادي اولا ، وتجاهلا لمطالب الشعب والمجتمع المدني المطالب بالتغيير ثانيا ، والنقطة الأهم هي تعويم الطبقة السياسية الفاسدة دوليا عبر رعاية الرئيس ماكرون التسوية السياسية الجديدة ثالثا .

في ضوء هذه المعطيات لا يمكن القول بأي حال من الاحوال ان الرئيس المكلف مصطفى أديب سيكون قادرا على احداث تغيير نوعي في الحياة السياسية وفي تنفيذ الاصلاحات المطلوبة سياسيا واقتصاديا ، وهو رغم الدعم الفرنسي الكبير له لن يكون وحيدا في ادارة الشأن العام وما تتطلبه الدولة من تغييرات فالقوى السياسية الممسكة بالقرار السياسي في البلد لا تريد اجراء انتخابات نيابية مبكرة عبر قانون جديد للانتخابات ، والحديث عن ان حكومة مصطفى اديب ستكون حكومة اختصاصيين ستوصل الى نفس الحكومة السابقة برئاسة الرئيس حسان دياب .

باختصار ، الرهان على انقاذ لبنان من ازماته السياسية والاقتصادية عبر حكومة ماكرون – أديب رهان فيه الكثير من المخاطرة ، وقد يؤدي فشل الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى أديب الى "زوال لبنان"